الدكتور نبيل المظفري facebook

لصق الكود

الأربعاء، 15 يونيو 2011

الانتخابات النيابية ومقوماتها


الانتخابات
       الانتخابات هي آلية تعتمدها الأنظمة الديمقراطية لاختيار أشخاص يتولون مسؤولية صنع القرار في الدولة ، ومراقبة الجهة التنفيذية في كيفية أداء مهامها ومحاسبتها عند التقصير ، ويقوم المقترع بالإدلاء بصوته عن طريقة ورقة تسمى ورقة الاقتراع وذلك بالتأشير على المرشح الذي يرغب في ترشيحه ، ووضع الورقة في صندوق الاقتراع ، وتتم عملية التصويت عادة بصورة سرية لضمان نزاهة الانتخابات من جهة ، والحيلولة دون تعرض الناخب للضغوط والأذى من جهة أخرى .    
تعد الانتخابات الوسيلة المثلى لإقامة نظام ديمقراطي في المجتمعات التي تبحث عن حقوق الإنسان ، ولاسيما الحقوق السياسية منها ، إذ لا يمكن اعتبار أي نظام للحكم نظاماً ديمقراطياً ، إلا إذا كان المسؤولون في دفة الحكم قد انتخبوا من قبل المواطنين بحرية تامة ، وقد تختلف الآليات الديمقراطية من بلد إلى آخر ، لكن المسائل الجوهرية تبقى واحدة لكل المجتمعات الديمقراطية . وهي تكمن في تمكين المواطنين المؤهلين قانوناً من الترشيح والتصويت ، فضلاً عن حمايتهم من أي نفوذ وضغوط عند ممارسته حقه الديمقراطي ، ولا يجوز بأي حال من الأحوال سلب حرية المواطن في مشاركته في الانتخابات ، أو إجباره على المشاركة فيها ، لان الإنسان حر في المشاركة في الانتخابات ، أو عدم المشاركة فيها ، إلا انه من الأفضل المشاركة في انتخاب قادة المجتمع ، وذلك لضمان وصول أشخاص أكفاء إلى المراكز الحساسة في الدولة .
مارست الشعوب بين الحين والآخر ، منذ ظهور الديمقراطية بصورتها البدائية حقها في اختيار حكامهم وقادتهم سواء على مستوى الدول أو المجتمعات الصغيرة كالمدن الصغيرة أو القرية أو القبيلة إلا أن الآليات التي اعتمدتها تلك الشعوب كانت تختلف عما هو معتمد في أيامنا هذه في العمليات الانتخابية ، ففي المجتمعات الديمقراطية ، كان الشعب قديماً يعبر عن قبوله أو رفضه للمسؤولين في الدولة في الاجتماعات العامة التي تعقد في الأماكن المخصصة لذلك علانية ، كما كان الحال في الحضارات القديمة ، بينما في بعض المجتمعات الأخرى كان ممثلو الشعب هم الذين يختارون القادة السياسيين ، فهم يمثلون طبقات الشعب وفئاته المختلفة ، أو يعمد إلى أخذ البيعة إذ يقوم الرجال المؤهلين من أبناء البلاد بمبايعة الشخص الذي وقع عليه الاختيار في قيادة الدولة ، وفي حالة عدم نيله قبول الناس يتم رفضه ، وفي الدول التي تمتد حدودها لتشمل مساحات واسعة ، كان الولاة يرسلون بيعتهم إلى العاصمة ، وفي أحوال كثيرة كان بعض الحكام الذين يجدون في أنفسهم القوة الكافية لمقارعة السلطة يرفضون إرسال البيعة إلى الحاكم الجديد ، أو أنهم يتنصلون عن البيعة فيعلنون التمرد على السلطة ، كما حدث في خلافة علي بن أبي طالب ، إذ رفض والي الشام معاوية بن أبي سفيان الإذعان لسلطة الخلافة ، فنشبت معركة كبيرة بين الخليفة ووالي الشام عرفت بمعركة صفين .
إن تلك الصورة للانتخابات كانت بدائية ورافقتها عيوب كثيرة . منها غياب نصف المجتمع عن أداء حقه الانتخابي ، إذ أن البيعة والانتخاب كان حقاً مقتصراً على الرجال البالغين فقط ، فقد كانت المرأة لا تمتلك ذلك الحق (الترشيح + الانتخاب) ، كما أنه لم يكن بمقدور الرجال جميعاً المشاركة في الانتخابات ، إذ كان غالباً يقتصر على الوجهاء ورؤوساء العشائر والنبلاء وأصحاب الأملاك والنفوذ ، وكان في أحسن الأحوال أن الناخب والمرشح يجب أن يكونوا من دافعي الضرائب للدولة ، ولاسيما في المجتمعات الأوربية ، الأمر الذي أدى إلى حرمان أغلبية الشعب من ممارسة حقه السياسي ، وقد استمر هذا الحال حتى العقد الثاني من قرن العشرين ولاسيما فيما يتعلق الأمر بحق النساء في المشاركة في الميدان السياسي وفي أكثر المجتمعات الديمقراطية تقدما كبريطانيا والولايات المتحدة الأميركية ، وهذا يجعلنا أمام حقيقة وهي أن الديمقراطية لم تكن تلبي رغبة الجماهير الحقيقية في اختيارهم لحكامهم وممثليهم .
تختلف آليات الانتخابات من دولة لأخرى ، ولاسيما فان الدول الديمقراطية نفسها تختلف أنظمة الحكم فيها طبقاً لدساتيرها وقوانينها الخاصة بالانتخابات ، إذ أن لكل دولة دستور خاص بها يحدد نظام الحكم والسلطات ، وهنا نشير إلى بعض هذه الأنظمة :

1-  النظام الرئاسي .
2-  النظام البرلماني .
تختلف آلية الانتخابات من نظام لآخر ، ففي النظام الرئاسي ، يقوم الشعب بانتخاب رئيس الدولة بطريقة الانتخاب المباشر ، أي يقوم الناخبون باختيار احد المرشحين لتولي مهام الرئاسة في البلاد ، وعادة فان الرئيس يمتلك صلاحية كثيرة وهو الذي يقوم باختيار أعضاء حكومته ، في حين أن المجلس النيابي بالرغم من دوره المتميز ، إلا أن صلاحياته اقل مقارنة بالأنظمة البرلمانية ، ويتم انتخاب أعضاء المجلس النيابي في انتخابات مستقلة عن انتخابات رئاسة الدولة ، وبما ان دساتير الدول تختلف في بعض المسائل فان آلية احتساب الأصوات تختلف أيضاً ، وكذلك مواعيد الانتخابات ، فمثلاً إن روسيا تختلف عن الولايات المتحدة الأميركية في كثير من المسائل المتعلقة بانتخاب رئيس الدولة ، علما أن كلا البلدين نظام الحكم فيهما جمهوري رئاسي فيدرالي ، ففي روسيا تجرى انتخابات الرئاسة في يوم واحد ، والمرشح الذي يحصل على أغلبية الأصوات من بين المرشحين يصبح رئيساً للبلاد دون الاعتماد على النسبة والتناسب في أصوات الولايات ، كما هو الحال في الولايات المتحدة ، إذ تخضع أصوات الناخبين لمعادلة خاصة ، وتجرى الانتخابات على مراحل وليس بالضرورة أن تجرى في يوم واحد .
إن الفائز في انتخابات الرئاسة الأميركية يجب أن يحصل على أغلبية أصوات الولايات ، إذ أن لكل ولاية عدد محدد من الأصوات يساوي عدد ممثليها في الكونغرس الأميركي ، باستثناء ثلاثة مناطق ، من بينها العاصمة واشنطن التي لها ثلاثة أصوات وفق التعديل (23) الذي اجري على الدستور الأميركي في سنة 1961 ، أي إن على المرشح الرئاسي أن يحصل على ما لا يقل عن (207) أصوات من مجموع أصوات الولايات البالغة (538) صوتاً ، ويقوم الناخبون (538) بالإدلاء بأصواتهم في عواصم ولاياتهم في 18 كانون الأول في السنة التي تجرى فيها الانتخابات العامة ، ويعرف هؤلاء بالهيئة الناخبة ، يتم انتخابهم بالطريقة التي تضعها الهيئة التشريعية لكل ولاية . وكان الدستور الأميركي قد حدد هذه الآلية منذ أواسط الثمانينات من القرن التاسع عشر ، وذلك باختيار الناخبين الرئاسيين من كل ولاية باقتراع سكان الولاية باستثناء ولايتي ماين ونبراسكا ، إذ تسود فيهما قاعدة الأغلبية البسيطة ، أي ان الناخب الرئاسي يجب أن يحصل على الأغلبية البسيطة من أصوات ولايته ، وبالتالي يكون قد حصل على جميع أصوات الولاية في الولايتين المذكورتين ، مما يجعل الأصوات التي حصل عليها الناخبون الآخرون لا قيمة لها .
أما النظام البرلماني ، يكون فيه صلاحية رئيس الوزراء أكثر بكثير من صلاحية رئيس الدولة ، وفي أعلب الدول التي تعتمد النظام البرلماني يكاد يكون منصب رئيس الجمهورية منصباً سيادياً فخرياً رمزياً ، ليس له صلاحيات تذكر ، إذ أن السلطة التنفيذية تتركز في يد رئيس الحكومة (رئيس الوزراء) وحكومته ، وتختلف آلية الانتخابات في ظل النظام البرلماني عن الانتخابات التي تجرى في ظل النظام الرئاسي ، إذ يتم انتخاب أعضاء مجلس النواب وفق قانون خاص يعد مسبقاً لهذا الغرض يعرف بقانون الانتخابات ، ومن ثم يعهد رئيس الدولة إلى رئيس الحزب أو الكيان الذي له الأغلبية داخل مجلس النواب بتشكيل الحكومة ، ويقوم رئيس الحكومة باختيار أعضاء حكومته من داخل البرلمان أو من شخصيات من خارج البرلمان حسب دستور البلاد ، ويقوم مجلس النواب بمنح الثقة للحكومة ، عن طريق التصويت ، ويكون التصويت عادة على مرحلتين ، في المرحلة الأولى يتم التصويت على الأشخاص ، وفي المرحلة الثانية يتم التصويت على الحكومة كاملة .
الانتخابات النيابية
       إن الأنظمة الديمقراطية والقوانين الانتخابية قابلة للإصلاح والتجديد بحكم طبيعة المجتمع والتطور الحضاري المرافق للعملية الديمقراطية في جميع البلدان ، للتغلب على السلبيات التي رافقت العملية الانتخابية ، أو تلك التي أعاقت قيام ديمقراطية متكاملة ، فضلاً عن الوصول إلى حالة من الرقي الانتخابي وضمان توفير الفرص الكاملة لجميع السكان للمشاركة في العملية الديمقراطية ، وهذا يعني ضرورة تغيير الأنظمة والقوانين الانتخابية في ضوء متطلبات العملية الانتخابية لتعزيز الديمقراطية وبالشكل الذي يتلاءم مع المسار التاريخي للعملية الديمقراطية الخاص بكل بلد .
مقومات العملية الانتخابية
       تستند الانتخابات بصورة عامة على عدة مقومات من الواجب توفرها لكي تحقق العملية الانتخابية أهدافها ، ولضمان قيام نظام ديمقراطي قائم على أسس صحيحة . ويمكن تلخيص تلك المقومات فيما يأتي :

·       قانون الانتخابات
من المهم جداً وجود قانون للانتخابات في أية عملية انتخابية ، ويتم سن قانون الانتخابات من قبل لجنة خاصة تشكل لهذا الغرض ، وفي اغلب الأحيان تشكل تلك اللجنة من قبل البرلمان ، أو إحدى وزارات الحكومة ذات الصلة بالقانون (العدل مثلاً) ، إلا انه أي كانت الجهة التي تشرع القانون الانتخابي ، لابد من نيل القانون موافقة البرلمان ومصادقته ، إذ يتم عرض القانون في مجلس النواب للمناقشة ومن ثم المصادقة عليه ، وللمجلس حق الرفض والتعديل والإضافة والإلغاء سواء للقانون بأكمله أو لبعض فقراته ، وفي المحصلة النهاية فان البرلمان يقوم بالمصادقة عليه ويتم اعتماده بعد أن ينال موافقة أغلبية الأصوات . ويتضمن القانون عدة مواد يتم بموجبها بيان آلية الانتخابات وكيفية إجرائها ، إذ يحدد القانون عدد أعضاء البرلمان المقبل بالاستناد على عدد سكان البلاد ، وعدد الدوائر الانتخابية ، والية توزيع المقاعد النيابية على تلك الدوائر ، والقوائم الانتخابية والدعاية الانتخابية للمرشحين والشروط الواجب توفرها في المرشحين والية عد وفرز الأصوات والإعلان عن أسماء الفائزين وغيرها .
·       هيئة الانتخابات (مفوضية الانتخابات)
تحتاج العملية الانتخابية إلى هيئة للقيام بإدارتها وفق ما جاء في قانون الانتخابات ، وتشكل الهيئة عادة من شخصيات أكاديمية وكفوءة ومستقلة لإدارة الانتخابات ، لضمان نزاهتها وإجرائها بصورة سلسة ، وتكون الهيئة أو المفوضية مسؤولة عن إعداد سجلات الناخبين بالتعاون من الجهات الحكومية ذات العلاقة (وزارة التخطيط مثلاً – وفي العراق تم الاعتماد على سجلات وزارة التجارة (البطاقة التموينية) في الانتخابات التي جرت بعد عام 2003 ولحد يومنا هذا ، وذلك لعدم وجود إحصاء سكاني حديث يتم الاعتماد عليه ، وكانت المفوضية مسؤولة عن تحديث سجلات الناخبين ودرج أسماء الذين يحق لهم التصويت في تلك السجلات عن طريق إقامة مراكز التسجيل في عموم العراق-) ، كما أن الهيئة مسؤولة عن تدقيق ملفات المرشحين والتأكد من صحتها ومطابقتها مع الشروط الواردة في قانون الانتخابات ، وتهيئة الكوادر اللازمة لإجراء الانتخابات ، فضلاً عن مسؤوليتها المباشرة عن ضمان نزاهة الانتخابات عن طريق محاسبة القوائم المخالفة لشروط الانتخابات والدعاية الانتخابية والتأكد من صحة الأوراق الانتخابية والقيام بعمليات العد والفرز والإعلان عن النتائج النهائية . والجدير بالذكر ، فان الحكومة مسؤولة أمام الهيئة في تخصيص المبالغ المالية الكافية لإجراء الانتخابات وتوفير مستلزمات العملية الانتخابية من حماية مراكز الانتخابات وتوفير صناديق الاقتراع والأوراق الانتخابية ونقلها إلى أماكن الفرز والعد .    
·       المرشحون
إن العملية الانتخابية لا تتحقق دون وجود المرشحين . إذ يعد المرشح من احد أهم مقومات العملية الانتخابية ، ويبين قانون الانتخابات الشروط الواجب توفرها في الشخص الذي يروم الترشيح ، لتولي المناصب السيادية ولاسيما رئيس البلاد ، أو عضو البرلمان ، ومن أهمها العمر والمواطنة والجنسية والشهادة والعاهة التي تعيق عمله في مثل تلك المواقع ، وخلو سجله الشخصي من الجرائم المخلة بالشرف أو الخيانة العظمى.
·       الناخبون
يعد الناخب والمرشح طرفي المعادلة في العملية الانتخابية ، إذ أن للناخب الدور الأساسي في التصويت وهو السبيل لوصول بعض المرشحين إلى المواقع التي رشحوا أنفسهم لشغلها ، وفي الانتخابات النيابية فان الناخب يصوت لصالح احد المرشحين الذي سينوب عنه في مواقع صنع القرار في الدولة ، وهناك اختلافات بسيطة في الشروط الخاصة بالناخب والمرشح ، فمثلاً ان القوانين الانتخابية تجيز للناخب الذي لا يقل عمره عن (18) عاماً من الإدلاء بصوته في الانتخابات ، في حين أن المرشح يجب أن لا يقل عمره عن (30) عاماً ، ومن المفيد الإشارة إلى أن شرط العمر ليس نفسه في كل دول العالم ، بل يختلف من دولة إلى أخرى ومن عصر إلى آخر ، إلا انه في كل الأحوال هناك فرق بين الناخب والمرشح من حيث العمر . كما أن شرط الشهادة العلمية الواجب وجوده في المرشح ليس بالضرورة أن يكون الناخب أيضاً قد حصل على شهادة علمية إذ أن القانون لا يمنع أي مواطن بسبب الشهادة من ممارسة حقه في التصويت ، لكن الجنسية والمواطنة وسجله القضائي شروط أساسية لممارسة حقه الانتخابي .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق