الدكتور نبيل المظفري facebook

لصق الكود

الاثنين، 2 فبراير 2015

العراق في قلب الاعصار


العراق ، هذا الاسم يعرفه القاصي والداني، فهذا البلد عرَّف نفسه على انه صاحب أقدم حضارات العالم ، كيف لا ، فهو موطن ولادة حضارات سومر وأكد وبابل وآشور وكوتيا واللولو وميتان وميديا والخ ، إذ تركت هذه الحضارات بصماتها وآثارها ، ولعل من الجدير بالذكر ان شعبه أول من ابتكر الكتابة (الخط السومري) وصاحب أقدم قرية زراعية ظهرت على وجه البسيطة (قرية جرمو)، وهو موطن الإنسان القديم (إنسان شاندر)، ولا أريد ان اذكر كل المآثر الحضارية للعراق، لان عندها سأحتاج إلى مجلدات وهذا ليس بمقصدي في هذا المؤلف، ولكن السؤال الأهم يا ترى هل نحن فعلا امتداد لتلك الحضارات؟. أم غرباء حللنا بهذه البلاد ، أم لم نكن أهلا لصيانتها واستمراريتها في العطاء، أي ما أريد قوله هل نحن سومريون أو اكديون أم بابليون أو كيشيون أو ميتانيون أو ميديون أو لولوبيون أو ننتمي إلى اية ملة أخرى تركت بصمتها على هذه الأرض، وإذا كنا فعلاً كذلك فهل ضللنا طريقهم. أم إننا من ينطبق عليه قول الشاعر معروف عبدالغني الرصافي ((فشر العالمين ذوو خمول إذا فاخرتهم ذكروا الجدودا)) ، وبعيدين جدا من قوله ((وخير الناس ذوو حسب قديم أقام لنفسه حسبا جديدا)).
دون شك وعلى اقل تقدير فان بعضا منا ينتمي إلى تلك الحضارات، والبعض الآخر الذي هاجر إلى هذه البلاد فلابد له ان تأثر ولو بعض الشيء بآثارها. إذن لماذا لا نستطيع ان ندير بلادنا ولماذا يقتل بعضنا الآخر. هذه التساؤلات لابد ان راودت أفكار آخرين غيري ولابد ان تحركت مشاعرهم وتفحصوها وتسارعت أقلامهم للإجابة عنها. ولعلي أحد هؤلاء.
    لربما ذهبت بعيدا عن الموضوع وانا أريد ان أتحدث عن أحداث العراق في القرن الحادي والعشرون، ولكن لابد من توطئة لفهم ما يجري على الأرض العراقية. وهنا لابد من التعرج إلى الآثار السلبية منها والايجابية التي تركتها الغزوات والفتوحات والاستعمار الأجنبي لهذه البلاد بدءً من الصراعات القديمة بين الحضارات التي اشرنا إليها والغزوات الأجنبية ومنها الاخمينية والمقدونية والساسانية والفتوحات الإسلامية والغزوات المغولية والتيمورية، فضلاً عن سياسات الدول كالجلائرية وقره قوينلو وآق قوينلو والدولة الصفوية والدولة العثمانية وانتهاءً بالاستعمار البريطاني وتأسيس الدولة العراقية في سنة 1921.
    إن هذه الموجات البشرية والاحتلالات غيرت كثيراً من الواقع الاجتماعي والاقتصادي والسياسي لهذه البلاد التي تعرف باسم العراق. إذ تلونت هذه البلاد بألوان شتى، يبدو ان السمة البارزة للسياسات التي اعتمدتها الحكومات والدول التي حكمت البلاد، هي ان تخفي الألوان الأخرى وتبرز لونا واحداً قدر المستطاع، ولكن يبدو أنها قد فاتتها بان اختلاط لون مع آخر أو ألوان عدة مع بعضها يظهر لك لونا جديداَ، لهذا فهي فشلت في إدارة هذه البلاد والاستفادة من كل طاقاتها، وأحدثت شرخاً وتصدعاً لا يمكن معالجته بسهولة. لذلك نجد اليوم كل فريق يريد ان يسلك طريقا مستقلاً عن الآخر ولربما هذا الطريق هو الوحيد الذي يضمن للإنسان على هذه الأرض ان يعيش. إلا ان هذا أيضاً لا يخلو من الصعوبات والتضحيات، لان بعض فئات المجتمع لا يزال لم يصل إلى قناعة بأن هذا البيت الكبير لم يعد يسعهم جميعا فلابد ان يستقل الأبناء عن بعضهم لتجاوز مشاكلهم، ولرب ضارة نافعة، أي لربما بعد الفراق يحنون إلى بعضهم ويتحالفون معا، وكما يقال كلما زاد البعد كلما زاد الاشتياق.
أدت الدول الاستعمارية الكبرى دورا مهما في رسم الخارطة السياسية للعالم بعامة، والشرق الأوسط بشكل خاص، فقد كانت لبريطانيا وفرنسا وروسيا ومن ثم الولايات المتحدة الأميركية اليد الطولى في اللعبة السياسية العالمية حتى بات لا يصدق إذا ما وقعت حادثة سياسية أو عملية انقلابية في بلد ما إلا وتوجهت أصابع الاتهام إلى تلك الدول. وهذا الاعتقاد بغض النظر عن صحته من عدمه، إلا انه كان السبب الأساسي في تعبئة الشارع في هذه المناطق ضد هذه الدول. ومما عمق هذا الاعتقاد، الدول التي ظهرت بفعل الاستعمار وأصبحت كوكبا يدور في فلكه، أو الأنظمة التي ظهرت فيها نتيجة لانقلابات عسكرية ومضادة لتوجهات الدول الاستعمارية وكانت حسب مصالحها ترمي بنفسها في حضن الشرق تارة والغرب تارة أخرى وهما سيان. لذا فان المناهج التربوية والعلمية (وهنا اقصد الاجتماعية) وضعت لتخدم سياسة الأنظمة القائمة. فنشأت أجيالا وتربت على هذه المائدة. فكانت ولادة شعوب تحمل أمزجة متناقضة تراها تريد أن تعيش على ارض تلك الدول الاستعمارية في الوقت الذي ترى بأنها أساس البلاء.
وظهرت الدولة العراقية إلى الوجود بفعل تلك الدول، والشعب العراقي هو نتاج هذه التربية التي اشرنا إليها، ولعل هذه التربية والإرث التاريخي للدول والأديان والمذاهب التي سبقت نشأة الدولة العراقية، جعل من الفرد العراقي أن يكون متقلب المزاج وهذا يؤكده علماء الاجتماع والدراسات التي ظهرت بهذا الخصوص لاسيما دراسة الدكتور علي الوردي والدكتور باقر ياسين يؤكدان ما ذهبنا إليه. وهذا الأمر لا ينطبق فقط على عامة الشعب بل حتى على الذين يعدون من النخبة أي الأكاديميين والسياسيين والمثقفين والفنانين وغيرهم. فتجدهم في الأمس القريب كانوا أبواقا للنظام ويخرجون إلى الشوارع يمجدون النظام ويهددون الذين يعادونه، وما أن سقط النظام حتى خرج هؤلاء أنفسهم إلى الشارع يشيدون بالتغيير ويتصدون للعملية السياسية، فلا غرابة إذا ما غير احدنا مبدئه أو اعتقاده بين ليلة وضحاها فهذا هو ديدننا.
 برزت مصالح الدول الغربية في المنطقة منذ أمد بعيد، لعل ذلك يعود إلى عصر الاستكشافات الجغرافية، أملا في الوصول إلى ثروات الشرق، فأخذت سفنها تخوض عباب البحر بعد اكتشاف طريق رأس الزوابع (رأس الرجاء الصالح) في نهاية القرن الخامس عشر، وبعد تنافس شديد وصدامات وحروب تمكنت بريطانيا من فرض هيمنتها على اغلب مناطق الشرق الأوسط ، وقد اتخذت تلك الهيمنة أشكالا متعددة منها عسكرية ومنها اقتصادية ومنها سياسية التي أخذت شكل معاهدات حماية أو امتيازات وغيرها، لكن هذا لا يعني مطلقا إنها الوحيدة التي كانت تملك تأثيرا في هذه المنطقة . فمثلا فرنسا وروسيا والمانيا أيضاً كانت تتمتع ببعض النفوذ في المنطقة، لاسيما وان الدولة العثمانية والدولة القاجارية في إيران كانتا تمران في مرحلة من الضعف، وليس بمقدورهما مواجهة هذه الدول الاستعمارية عسكريا أو سياسيا . وقد كانت هناك منافذ كثيرة دخلت من خلالها هذه الدول إلى المنطقة، ففضلا عن المدخل الاقتصادي والسياسي كان هناك المدخل الديني والمذهبي والقومي... يتبع إن شاء الله