الدكتور نبيل المظفري facebook

لصق الكود

الاثنين، 25 يوليو 2011

القيم الاخلاقية بين الادعاء والحقيقة


القيم الأخلاقية بين الادعاء والحقيقة
قبل أكثر من شهر قرأت في إحدى الصحف المحلية الصادرة في مدينة كركوك، بأن الشرطة أعلنت عن أن عمال النفايات قد عثروا على وليد في محل اعتاد العراقيون أن يرموا نفاياتهم في اقرب مكان شريطة أن لا يؤثر ذلك عليهم فقط، دون أن يكترثوا لما سيترك من تأثيرات سلبية على الجيران أو الآخرين أو على البيئة فذلك أمر لا يفكرون به مطلقا. وذكرت بأن جسمه الطري قد نهشته الكلاب السائبة أو لربما حيوانات أخرى والله اعلم. وقد فاجأتنا الصحيفة نفسها في خبر لاحق بان طفلا آخر قد تم العثور عليه وهو في قماطه في مكب آخر للنفايات. والجدير بالملاحظة أن كاتب المقال ولا اعلم هل من باب السخرية أم غير ذلك قال بان هذا الطفل كان أوفر حظاً(وأي حظ لذاك الصغير!!!) من السابق، لماذا ؟، لان الأخير قد تم العثور عليه حياً ويعود ذلك حسب الكاتب إلى أن الكلاب السائبة قد تعرضت إلى حملة إبادة جماعية . والحقيقة أن الإبادة الجماعية سواء بالنسبة للحيوان أو الإنسان فحالة ليست بغريبة في وطن الكل يدعي بأنه يحبه ويعشقه حد الجنون. فتاريخ هذه البلاد حافل بالمجازر والإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية سواء أكان ذلك بيد حكامها أو المحتلين على حد سواء. وبالعودة إلى موضوعنا الأساسي فقد قرأت بعد فترة قصيرة خبرا آخر مفاده أن شرطيا - ولكن هذه المرة الحالة في مدينة عراقية أخرى- قد اكتشف أن زوجته تخونه وهنا اذكر بان المصدر لم يبين هل الرجل وجد زوجته متلبسة بالجرم أم انه شك في أمرها، لكن النتيجة كانت بشعة إلى حد لا يمكن تصورها إلا في المجتمع الشرقي، فقد بادر الشرطي إلى قتل زوجته بالرصاص ثم وجه سلاحه تجاه أولاده الثلاثة فأرداهم قتلى في الحال.
إن مجتمعنا الذي طالما نتباهى به ليس في مجال آخر كالتطور والتقدم التكنولوجي والعدالة، بل فقط في الجانب الأخلاقي فيما يعلق بالفساد الجنسي، لان هذا المجتمع أكثر ما يفكر به هو الجنس. فمجالسنا ومسامعنا أكثر ما تطرب أذانها الكلام عن النساء والجنس، وطبعا هنا لابد أن نُذكِرَ بأن في مثل الحالة الأخيرة سيشد المقربون من الشرطي على يده لأنه قد غسل العار الذي لحق به، ولربما نحن أيضا كوننا احد أفراد هذا المجتمع لا نستطيع أن ندين قتله لزوجته لأننا أن فعلنا ذلك سوف نكون خارجين على المجتمع ولربما نكون عرضة لكل شيء لعل أخفها وطأة الانتقادات السلبية. ولكن في الوقت عينه لا يمكن أن أبقى ساكتا على جريمة ارتكبت بحق الأطفال الثلاثة الذين كانوا ضحية لأفعال وذنوب ليس لهم أي دور وإنما قدرهم أنهم أبناء امرأة زانية (طبعا بحسب زوجها والله اعلم). ومن المفيد قوله هنا أن الشرطي لربما مارس الزنا ولربما أنجب أيضا دون أن يعلم. ياترى ألا يستحق هذا الرجل أن ينال العقوبة نفسها التي أقامها على امرأته. أم أن الزنا أمر خاص بالمرأة فقط والرجل خارج هذه المعادلة. وربَّ شخص يجيب فيقول أن الدين الإسلامي قد ساوى في العقوبة بين الرجل والمرأة الزانيين. وهنا نقول يا ترى إلى أي حد المجتمع الإسلامي ملتزم بقواعد الدين الإسلامي الحنيف. فان هذا المجتمع بدأ يتعامل مع الإسلام حسب مصلحته يأخذ من تعاليمه ما يريد ويترك ما يتعارض وعرفه الخاص الذي صنعه لنفسه بحجة انه ملتزم بالأعراف والتقاليد في المجتمع دون أن يقيم وزنا لتعاليم الإسلام.
وبالعودة إلى المقارنة بين مجتمعنا والمجتمعات الأخرى. وهنا نثير السؤال الآتي: إذا ما وقعت هذه الإحداث في تلك المجتمعات فكيف كانت ستتعامل معها؟. ولاسيما إننا عندما نذكر تلك المجتمعات ولاسيما المجتمع الغربي فإننا نصفها بالمجتمعات المنحلة أخلاقياً وهذه الحالات لا تثير زوبعة أو إلى ما ذلك لأنها من الأمور الطبيعية حسب نظرتنا لتلك المجتمعات. أن هذه الأمور وان كنا قليلاً نسمع بها في مجتمعاتنا إلا أنها متفشية إلى حد كبير والحقيقة ليس أقل من المجتمعات الأخرى إلا أنها تحدث تحت جنح الليل أو بعيدا عن الأنظار ولا تظهر للعلن إلا قليلا. لكن التعامل مع هذه الحالات يختلف بيننا وبين المجتمعات الأخرى. فالقتل للمرأة في هذه الحالة أسمى عمل يقوم به اقرب المقربين لها. بينما الرجل لربما بعد فترة وجيزة ينسى فعلته ونتائجها. وليس بعيدا أن يعود مرة أخرى إلى مثل هذه الأفعال ويتسبب في قتل أخريات. وفي المجتمع العشائري مثل هذه يترتب عليها نتائج خطيرة تؤدي في الأحيان إلى اقتتال بين عشريتين ينتهي بعضها بخسائر بشرية في الطرفين. هذا إذا تم كشف المستور وتم التعرف إلى الزاني، وفي أغلب الأحيان، وبعد قتل المرأة يقوم الزاني بإعطاء أخته أو إحدى قريباته إلى عائلة المرأة الزانية وسواء كان ذلك برغبتها أو إجبارها على ذلك. فأي حقوق حفظت للأخيرة وهذا أمر يسير في هذا المجتمع. وأما قتل الجنين ورمي طفل ليلقى مصيره إما الموت أو أن يلتقطه بعض السيارة (المارة) ليجد نفسه في ملجأ للأيتام غالبا لا تتوفر فيه مستلزمات الحياة الكريمة بالمقارنة ما توفرها المجتمعات الغربية من عناية لمثل هذه الحالات.
أن القضية الكبيرة والجريمة غير المبررة في مثل هذه الحالات تتعلق بمصير الجنين أو الطفل كما في الحالات الثلاثة التي اشرنا إليها. فكيف نتعامل نحن معها وكيف تتعامل المجتمعات الأخرى حيال هذه المسائل وأيهما يا ترى أكثر حفظا لحقوق وحياة وكرامة الإنسان؟.
مما لا ريب فيه إن الجنين أو الأطفال لا ذنب لهم سواء أكانوا شرعيين أو غير ذلك، وليس لأي شخص أن يقوم بسلب هؤلاء النفحة الربانية التي وهبها الله للإنسان فكانت الحياة. وبعد أن تبين لنا من خلال الأمثلة التي ذكرناها التي تمثل حالة شبه عامة في مجتمعنا ولم أجد ولم أجد أي نص في شريعة سماوية كانت أم (وضعية) يبيح قتل الطفل غير الشرعي ولا حتى إسقاط الجنين، فأيهما من الكبائر الإسقاط والقتل من اجل إخفاء جريمة حفاظا على ماء الوجه أم القيام بالواجب الإنساني والمتمثل بتربية الأطفال سواء من خلال العائلة نفسها أو عن طريق إرسالهم إلى دور وملاجئ الأيتام. ما نحن نقوم به في مجتمعنا هو قتل للجنين والطفل أما المجتمعات الأخرى فتبادر إلى تربية هؤلاء الأطفال في أماكن مخصصة لتربيتهم وتعمل على توفير جميع حقوقهم دون أي تمييز، بل أن هناك عائلات كثيرة مستعدة لتبني هؤلاء. فإيانا أكثر إنسانية وأخلاقاً؟!!!.
لقد تعاملت القوانين الدولية بكثير من الرأفة والعدل إزاء هذه الحالات، بل إن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لسنة 1948 الذي يعد الدستور الذي استندت إليه القوانين الدولية، لم يميز بين الطفل الشرعي وغير الشرعي على الرغم من ذكره للطفل غير الشرعي إذ كان يرى البعض أن الإعلان ميز بينهما مجرد بذكره كلمة غير شرعي، إلا أن الإعلان ذكر ذلك للتأكيد على المساواة التامة بينهما وضرورة أن يحصل الطفل على جميع حقوقه حاله في ذلك حال الأطفال الآخرين، بل أن في مثل هذه الحالات فان المجتمع والدولة عليهما أن يتحملا المسؤولية الكاملة، فقد نصت الفقرة الثانية من المادة (25) من الإعلان العالمي على ضرورة حماية الأطفال دون تمييز إذ ذكرت إن ((للأمومة والطفولة الحق في مساعدة ورعاية خاصتين، وينعم كل الأطفال بنفس الحماية الاجتماعية سواء أكانت ولادتهم ناتجة عن رباط شرعي أم بطريقة غير شرعية)). ومع أن اتفاقية حقوق الطفل التي اعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة في 20 تشرين الثاني 1989، وتم البدء بتنفيذها في أيلول 1990، لم تتناول تفاصيل حقوق الطفل في مثل الحالات التي ذكرناها، إلا أنها أشارت بصورة واضحة إلى ضمان المحافظة على حياة الأطفال وتوفير حياة كريمة لهم. فقد أكدت المادة (6) من الاتفاقية المذكورة أعلاه على ضرورة أن تقوم الدولة بحماية الأطفال فقد نصت الفقرة الأولى من المادة السادسة ((تعترف الدول الأطراف بان لكل طفل حقاً أصيلا في الحياة))، كما أن الفقرة الثانية من المادة نفسها نصت على أن على أن ((تكفل الدول الأطراف إلى أقصى حد ممكن بقاء الطفل ونموه)). وقد وضعت الاتفاقية آلية مناسبة لضمان حياة كريمة للطفل، إذ أكدت المادة (20) من الاتفاقية بأن للطفل المحروم بصفة مؤقتة أو دائمية من بيئته العائلية الحق في حماية ومساعدة خاصتين توفرهما الدولة أو أن تقوم اسر راغبة في القيام بهذه المهمة، اما عن طريق الكفالة القانونية بالنسبة للدول التي لا تسمح قوانينها بالتبني أو عملية التبني بالنسبة للدول التي تسمح قوانينها بذلك.
إن هذا العرض المختصر حول كيفية تعامل القوانين الدولية مع حقوق الأطفال الذين يفقدون حماية أسرهم لأسباب شتى بما فيها الحالات التي تخص موضوعنا. نرى أن الذي تعرض له الأطفال الذين تحدثنا عنهم يعد جريمة بكل ما تحمله الكلمة من معنى. ويستحق المسؤولين عنها العقوبة المناسبة إذ نرى أنها لا تختلف بأي حال من الأحوال عن جرائم القتل العمد الأخرى. وإلا ما هو المبرر في ذلك، وهل يمكن عد إخفاء عمل مشين اقترفه أشخاص آخرين ليس للأطفال يد فيها مبرراً مشروعاً للقيام بهذا العمل الإجرامي. بل كان الأولى بهؤلاء أن يقوموا بأي شكل أو طريقة تسليم هؤلاء للسلطات حتى تقوم بدورها وليس رميهم في مكبات النفايات، لينالوا مصيرهم المحتوم وهو الموت فإذا لم يموتوا جوعا أو بردا أو لم تصل إليهم الحيوانات السائبة فستقتلهم الجراثيم والغازات التي تنبعث منها. أو إعدامهم بالرصاص كما لو ارتكبوا جرائم ضد الإنسانية، فأي حضارة هذه وأي إنسانية هذه يا ترى من فينا أكثر إنسانية نحن أم أولئك الذين نصفهم بالمجتمعات المنحلة وتفتقد إلى الأواصر العائلية وصلات الرحم. ألا تستدعي هذه الحالات وقفة منا ومراجعة لا حتى نقتفي أثرهم، بل لنصلح أنفسنا ونكف عن وصف الآخرين بالفساد الأخلاقي، والجدير بالذكر بان الأغلبية فينا أن لم يكن الجميع يتفقون أن المجتمعات الأخرى أكثر صدقا منا وأكثر إخلاصا في إعمالهم واقل منا مضيعة للوقت ونادرا ما يحتاج المواطن إلى رقيب، ولم يكن لنا شيء نتباهى به أو لنا الأفضلية فيه سوى المسائل الأخلاقية، وإذا كان هذا هو حالنا. فماذا بقي لنا نفتخر به؟. تاريخنا المجيد الذي لا يغني من جوع، أم حضارتنا التي اندثرت دون أن نبذل جهدا صادقاً في إحيائها أو حتى المحافظة عليها. ولربما يقول البعض أن الحالات التي ذكرناها حالات نادرة، أتمنى أن يكون القارئ منصفا للحكم ويتابع ويسمع ما يدور في مجتمعاتنا الشرقية ليرى بنفسه إنها حالات عامة ولكن الإعلام والمراكز البحثية ومنظمات المجتمع المدني نادرا ما تتطرق إلى مثل هذه الحالات. اما لأنها تخشى ما كنت أخشاه أنا أو إنها لم تصل إلى مرحلة من النضوج لتعلن وتحلل وتعالج مثل هذه الحالات.