الدكتور نبيل المظفري facebook

لصق الكود

الثلاثاء، 28 يونيو 2011

عناصر الديمقراطية واهدافها

عناصر الديمقراطية
        إن إقامة النظام الديمقراطي تستوجب وجود العناصر الأساسية لإقامته ، إذ لا معنى للديمقراطية في ظل غياب العناصر الأساسية لها .
ـ الشعب : أي وجود مجموعة لصنع القرار وفق شكل من أشكال الإجراء الجماعي ، وفي المجتمع الديمقراطي يعد البالغين من أفراد الشعب مواطنين أعضاء في نظام الحكم ، أما مشاركتهم بصورة مباشرة في صنع القرار ، أو عن طريق انتخابهم لممثلين عنهم يقومون بذلك العمل نيابة عنهم .
ـ الوطن : ينعي وجود ارض لها حدود سياسية يعيش عليها الشعب وتطبق عليهم القرارات ويعرف أبنائه بجنسيته.
ـ طريقة اختيار الحكام والنواب : ويعني ذلك وجود إجراء خاص بانتخاب ممثلين لاتخاذ القرارات وهو قد يكون مباشراً كالاستفتاء أو غير مباشر كانتخاب برلمان للبلاد ينوب عن الشعب في اتخاذ القرار .
ـ إرادة الشعب : اعتراف الشعب بشرعية الاستفتاء ، أو الانتخاب والقبول بنتائجه ، إذ أن الشرعية السياسية تتمثل باستعداد الشعب لتقبل قرارات وقوانين الدولة وحكومتها ومحاكمها وفقاً للقوانين والدستور ، حتى لو تعارض تلك القرارات مع الميول والمصالح الشخصية وهذا الشرط من الشروط المهمة ، ولاسيما أن في كل عملية انتخابية رابح وخاسر .
ـ فاعلية الإجراءات والقرارات : أي انه يمكن بواسطة الإجراءات الديمقراطية تغيير الحكومة في حالة وجود تأييد كاف لتنلك الإجراءات والقرارات ، إذ أن الانتخابات المعدة سلفاً نتائجها لا تعد انتخابات ديمقراطية .
ـ سيادة الدولة : يجب أن تكون الدولة ذات سيادة ، لأن الانتخابات الديمقراطية ليست نافعة ، إذا تمكنت دولة أخرى أو أية قوة خارجية من إلغاء نتائجها .
ـ روح المنافسة والتعددية الحزبية : إن التسلط والديكتاتورية والشمولية تعيق العملية الديمقراطية .

أهداف الديمقراطية
       إن الديمقراطية في جوهرها نظام حكم يجعل الفرد بصورة مباشـرة أو غير مباشـرة (-أي عبر ممثليه-) مساهماً في تصريف شؤون الدولة بما يخدم المصلحة العامة لا الخاصة ، فالديمقراطية الحرة لا تعترف بوجود امتيازات طبقية أو حزبية وهي ترنو إلى تحقيق العدالة والمساواة وتعمل على تحقيقهما ، ويمكن أن نوجز أهداف الديمقراطية فيما يأتي :
أولاً : الحرية
       تعد الحرية من أهم أهداف الديمقراطية ، كما أنها تعد في الوقت نفسه من مرتكزاتها الأساسية ، إذ أن الديمقراطية لا تتحقق دون وجود الحرية المسؤولة في القول والممارسة فضلاً عن الإيمان المطلق بالفردية ، التي تعد مرتكزاً مهماً آخر في بناء النظام الديمقراطي ، وتعد الحرية من أهم مصادر الاعتزاز والكرامة الإنسانية وحرية الرأي والتعبير والتنظيم وحرية الانتخاب تشكل لب النظام الديمقراطي ، إذ أن حرية التنظيم والمشاركة في مفاصل الحياة العامة تعبأ الطاقات التي يمكن توظيفها في خدمة هذه القضية أو تلك . كما أن حرية التعبير هي الوحيدة القادرة على وضع حد للسياسات الخاطئة والقرارات غير الموزونة وتتبع الأخطاء قبل استفحالها وطرح البدائل الأقل كلفة للمجتمع والاستفادة من الأخطاء الواقعة لمنع تكرارها .في حين إن حرية الانتخاب تعني تقييم السياسات العامة والخاصة وكذلك السياسيين بمختلف ألوانهم ومشاربهم ، واستبدالهم بآخرين أكثر كفاءة في حالة فشلهم أو عدم مراعاتهم لمصلحة المجتمع .
ثانياً: العدالة
       تعني الديمقراطية مساهمة الجميع في إدارة الدولة وتطبيق القوانين على الجميع دون استثناء ، وتكون الحقوق متساوية في ظلها . ولا تضطهد الديمقراطية فريقاً ضد آخر من الشعب ، ولا طبقة أو حزب ، وإنما تلتزم روح الاعتدال والتسامح ، وتعطي الحق للجميع ممن بلغوا السن القانوني في الترشيح والانتخاب ذكوراً كانوا أم إناثاً ، وبغض النظر عن ألوانهم أو ألسنتهم أو منزلتهم الاجتماعية ، ويكون الجميع متساوين أمام القانون ، لأن الديمقراطية تعني سيادة القانون .
ثالثاً: السلم والمدنية
       تعد الديمقراطية البديل للعنف الدموي الذي كان ولا يزال الحل الوحيد أمام المجتمعات التي تحكم من قبل أنظمة استبدادية ، ولا يستطيع الشعب استبدالها إلا عن طريق الثورات والحركات المسلحة أو الاستعانة بقوة خارجية ، وجميع تلك الحلول تكلف البلاد كثيراً من الطاقات البشرية والموارد الاقتصادية وانحلال الأوضاع الاجتماعية ، وفضلاً عن ضياع السيادة الوطنية في الحالة الأخيرة . في الوقت الذي نجد في النظام الديمقراطي إن المعارك الديمقراطية وان علت أصواتها ، ومهما اتسعت مداها ، لا تصل إلى مرحلة إراقة الدماء ولا تضيع فيها السيادة ، إذ أن الطرف الرابح من تلك المعارك لا يستطيع الخروج عما موجود في الدستور والقوانين الوطنية ، ولا يعد كونه إلا أداة لتنفيذها وخدمة مصالح البلاد بموجبها . وان المعارك الديمقراطية ما هي إلا حرب رمزية بين الفئات والشخصيات المتنافسة والمختلفة في الأفكار والمصالح ، وتشكل فيها حرية التعبير السلاح الرئيس ، علماً أن نهايتها محددة بيوم الانتخاب ليتم تصفية الحسابات المتراكمة ، وذلك بإزاحة السلطان أو الحاكم الذي فشل في إدارة البلاد وقصر في خدمة الشعب خلال مدة حكمه دون إراقة دمه .
       إن ما تقدم يعني أن الانتخابات أصبحت تؤدي دوراً مهماً في الحياة السياسية للشعوب وتختصر عليها الطريق في اختيار الحكام وتجنب الدول مشاكل تهدد الأمن والنظام وتحافظ على الموارد الاقتصادية للدولة . وقد وصف الباحث الاجتماعي العراقي الدكتور علي الوردي الديمقراطية بـ (الثورة البيضاء) "حيث يبدل الشعب حكامه بواسطة الانتخاب حيناً بعد حين . والشعوب الآن تستخدم أوراق التصويت لعين الغرض الذي كان تستخدم السيوف من أجله قديما" .
       وتؤدي الديمقراطية في النهاية إلى خلق مجتمع واع يؤمن بالسلم والمدنية بعيداً عن الحروب والثورات ، والديمقراطية السبيل للقضاء على الفساد وخفض معدلات الفقر والجوع والعنف .

السبت، 18 يونيو 2011

مبدأ الحوار والديمقراطية


مبدأ الحوار والديمقراطية
       ان المجتمعات في تطور مستمر ، وقد رافق هذا التطور توسع المجتمعات وزيادة حاجاتها ووسائل وطرق إدارتها ، في جميع نواحي الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية ، ونتيجة لذلك لابد من إيجاد نظام خاص لتلك الإدارة ، فكان النظام الديمقراطي اقرب الأنظمة ملائمة للإدارة المشتركة ، والديمقراطية بحد ذاتها بحاجة الى توفر الظروف المناسبة لإنجاحها ، ومن ضروريات الديمقراطية اعتماد مبدأ الحوار ، على اعتباره أهم شرط في المجتمع الديمقراطي ، وبدونه لا يمكن تحقيق شيء من الديمقراطية .
    والإنسان بدوره ككائن مميز عن الكائنات الأخرى ، لابد ان يعمل على مبدأ الحوار طالما هو المسؤول عن تنظيم المجتمعات ، وتطورها وتخلفها أمر يتوقف عليه ، والتنظيم أساس للتطور ، لهذا فالإنسان هو المسؤول عن إقامة هذا النظام ، وبما ان مبدأ الحوار مبدأ الهي ، إذا أخذنا بنظر الاعتبار ما جاء في الآيات القرآنية الكريمة ، حتى قبل ان يخلق الله سبحانه وتعالى الإنسان ، أي ان سبحانه حاور الملائكة في خلق الإنسان على الرغم من ان ذلك جاء بصيغة الأمر ، وهذا وارد وهنا الحال مختلف لان الحوار كان بين الخالق والمخلوق وليس بين مخلوق وآخر او مخلوقات من جنس واحد ، كما جاء في الآية الكريمة{وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ }البقرة(30)، أي ان الله اعلم ملائكته بانه خالق كائن مميز يستخلفه في الأرض ويعبد الله ، وكان له ان يخلقه دون إعلامهم لكونه الخالق الذي يقول كن فيكون ، وأعطى الفرصة للملائكة لإبداء رأيهم ، إذ أنهم وجدوا في خلق الإنسان أمراً سلبياً ، والمهم هنا انه سمح للملائكة بالحديث عن موضوع خلق الإنسان ، على الرغم من عدم الأخذ بوجهة نظرهم في الموضوع ، ويكفي هنا ان نشير الى الحوار الذي دار بين الخالق والمخلوق الذي هو الأساس في هذا الموضوع .
    وبعد ان خلق الله الإنسان ولأهمية هذا المخلوق وقبل ان يهب في جسد آدم الروح أمر الملائكة بالسجود له{فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِينَ }الحجر(29)   ، ويظهر فيما بعد ان الوحيد الذي لم يسجد من الملائكة ،ولم ينفذ امر الله هو إبليس(*) ، وكان الله اعلم لما امتنع إبليس عن السجود ، لكنه أراد ان يحاوره في أمر امتناعه فقال له سبحانه(( َلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلآئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ لَمْ يَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ{11} قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ{12} الاعراف) ، وهنا يظهر ان الله لم يتخذ الأمر في إنهائه من الوجود وهو القادر على كل ذلك بلمح البصر ، بل حاوره بمنتهى الهدوء واستفسر عن سبب امتناعه لأمر الله  ، ثم لعنه حتى يوم الدين ، ومع كل ما جرى في هذه الحالة ، استجاب الله سبحانه لإبليس عندما طلب منه ان يبقيه الى يوم القيامة ((قالَ أَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ{14} قَالَ إِنَّكَ مِنَ المُنظَرِينَ{15} قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ{16} ثُمَّ لآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَآئِلِهِمْ وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ{17} الاعراف
     مما دار من حديث بين الله ومخلوقه إبليس يدل على جملة من المبادئ الأساسية الواجب الالتزام بها كبشر طالما انه الكائن المميز وهذا واضح من الآية الكريمة مثل خلق الله الإنسان بيده وسجد له الملائكة ، والاهم في ذلك والذي يتعلق بالموضوع هو إعطاء الفرصة الكافية لإبليس في الحديث مع خالقة حول الأسباب التي كانت وراء عصيانه ، ومن ثم استجابة الله له في طلبه في إبقائه حتى يوم القيامة ، علماً انه ذكر لله بان بقائه ليس من اجل عبادته بإخلاص إنما إغواء الناس وإخراجهم عن الطريق المستقيم .
     ان ما سبق يجعلنا ان نتخذ منها نموذجا للحوار بين الإنسان وأخيه الإنسان طالما ان الحوار كان موجوداً بين الخالق والمخلوق ، وذلك لان الحوار يرسم لنا طريقا صحيحاً للوصول الى الآراء والرؤى الصحيحة في العمل والحياة اليومية ، اذ ان القرارات الانفرادية غالباً تكون غير متكاملة ولا تؤدي الى نتائج ايجابية ، وان الاستماع الى الآخرين يفتح أمام الإنسان آفاق جديدة للتفكير بشكل أعمق والوصول الى النتائج السليمة دون التأثير على الآخرين وان تناقض الآراء واختلافها لا يفسد للود قضية إنما من الممكن مناقشتها وتكوين رأي مشترك من خلالها تتجاوز النواحي السلبية التي جاءت في تلك الآراء وكما قال احد المفكرين "ان المجتمع الذي ليس فيه حوار مجتمع ذاهب الى الهلاك" ، وهذ يتطابق جملة وتفصيلاً مع مبدأ الديمقراطية.
    وقد كان الحوار سبباً أساسياً في نجاح المجتمعات منذ فترة تاريخية موغلة في القدم ، فمثلاً مملكة سبأ التي نشأت في اليمن كانت من الممالك العظيمة في التاريخ بفضل مبدأ الشورى ، ففي عهد ملكتهم بلقيس ، يذكر بانه كان هناك (313) رجلاً من أهل مشورتها وكل رجل كان على رأس عشرة آلاف رجل وبالتالي فقد كانت مملكة عظيمة متماسكة ، وكانت بلقيس لا تتخذ القرارات الا بعد مناقشتها مع أهل الشورى ، وكذلك فعلت عندما هاجم النبي سليمان (ع) مملكتها اذ جمعتهم (( قَالَتْ يَا أَيُّهَا المَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمْراً حَتَّى تَشْهَدُونِ{32} قَالُوا نَحْنُ أُوْلُوا قُوَّةٍ وَأُولُوا بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ{33} قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ{34} وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِم بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ{35} النمل)) .
       ان من خلال هذه القصة يمكن الوصول الى عدة اعتبارات في مقدمتها ان الأمة القائمة على الشورى والحوار تكون امة عظيمة وقائمة على أسس صحيحة وان القرارات التي تتخذ وبناء المجتمع تكون وفق آليات مدروسة وصحيحة ، كما ان الحروب تهلك المجتمع والدولة بشرياً ومادياً ، فلابد ان يكون الحوار ومداولة الأمور الأساس في معالجة الإشكاليات والتحديات التي تواجه المجتمع أياً كان نوعها واتخاذ ما يلزم من الإجراءات والقرارات بما يتناسب وحجم التحدي والمشكلة وعند ذاك يكون الجميع مسؤولين عن النتائج ، وان تجربة مملكة سبأ يدخل في صلب الديمقراطية فقد كان هناك مجلساً يضم عدداً كبيراً من رجالات الدولة ممثلين عن عشائرهم ومناطقهم على الرغم من اختلاف آلية التمثيل من عصر الى عصر .
    وفي الدين الإسلامي يعد الحوار مبدأً أساسياً في إدارة المجتمع تحت عنوان الشورى وإعطاء حق الكلام للآخرين ، اذ يعد امراً اساسياً في تحقيق رضا الله عن عباده{وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ }الشورى(38)، وهذا يؤكد على أهمية الشورى ، وكذلك أمر سبحانه وتعالى نبيه بان يستشير أولوا العقل في أمور الدنيا{فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ }آل عمران(159) ، كما ان الله أمر الإنسان في مناقشة الأمور وتبيان الصحيح وعدم فرض الأشياء عليهم وإنما محاورتهم وإقناعهم عن طريق الحوار بالأدلة والشواهد التي تدعم الرأي الصحيح (( وجادلهم بالتي هي أحسن )) ، وهناك أمثلة كثيرة على مبدأ الحوار ومفهوم الديمقراطية في الإسلام ، اذ يرى الإسلام ان إبداء الرأي وقول الحق من الأمور الأساسية في الحياة وهي من المسائل التي يؤجر الإنسان عليها ، فقد ورد في الحديث الشريف ما يدل على ذلك (أفضل الجهاد عند الله كلمة حق عند سلطان جائر ) ، وفعل كذلك الخليفة ابو بكر (رض) عندما تولى خلافة المسلمين فقد نبه على ضرورة تقويم سياسته اذ ما اخطأ او حاد عن العدالة ، والأمر ينطبق أيضاً على الخليفة عمر بن الخطاب (رض) ، عندما دعا الناس الى المطالبة بحقوقهم ، وان ابى هو ان يعطيهم حقهم فليأخذوا حقهم بحد السيف ، ومن الأمثلة على ذلك ، ان اعرابياً أراد ان يتحدث عن سياسة الخليفة فمنعه الناس عن الحديث ، فقال ( دعه يقلها فلا خير فيكم ان لم تقولوها ولا خير في ان لم اسمعها) ، وهناك مسائل أخرى كثيرة في هذا المجال ، الا ان المهم في الأمر هو ان الخالق والأنبياء والخلفاء عملوا بمبدأ الحوار والاستشارة فكيف للإنسان العادي ان يمنع الآخرين من إبداء أرائهم او طرح أفكارهم او عدم الاستماع لهم ، لانه لا يمكن بناء مجتمع قائم على العدالة والمساواة دون ان نأخذ بهذه المبادئ الأساسية مثل الحوار والشورى وحرية الكلام وغيرها ولا يمكن خلق مجتمع ديمقراطي من دون تلك المبادئ .




(*)  ابليس لم يكن من الملائكة وانما كان كبير الجن وقد خلق من النار ، الا انه كان له مكانة كبيرة لهذا فقد كان في صف الملائكة .

الأربعاء، 15 يونيو 2011

الانتخابات النيابية ومقوماتها


الانتخابات
       الانتخابات هي آلية تعتمدها الأنظمة الديمقراطية لاختيار أشخاص يتولون مسؤولية صنع القرار في الدولة ، ومراقبة الجهة التنفيذية في كيفية أداء مهامها ومحاسبتها عند التقصير ، ويقوم المقترع بالإدلاء بصوته عن طريقة ورقة تسمى ورقة الاقتراع وذلك بالتأشير على المرشح الذي يرغب في ترشيحه ، ووضع الورقة في صندوق الاقتراع ، وتتم عملية التصويت عادة بصورة سرية لضمان نزاهة الانتخابات من جهة ، والحيلولة دون تعرض الناخب للضغوط والأذى من جهة أخرى .    
تعد الانتخابات الوسيلة المثلى لإقامة نظام ديمقراطي في المجتمعات التي تبحث عن حقوق الإنسان ، ولاسيما الحقوق السياسية منها ، إذ لا يمكن اعتبار أي نظام للحكم نظاماً ديمقراطياً ، إلا إذا كان المسؤولون في دفة الحكم قد انتخبوا من قبل المواطنين بحرية تامة ، وقد تختلف الآليات الديمقراطية من بلد إلى آخر ، لكن المسائل الجوهرية تبقى واحدة لكل المجتمعات الديمقراطية . وهي تكمن في تمكين المواطنين المؤهلين قانوناً من الترشيح والتصويت ، فضلاً عن حمايتهم من أي نفوذ وضغوط عند ممارسته حقه الديمقراطي ، ولا يجوز بأي حال من الأحوال سلب حرية المواطن في مشاركته في الانتخابات ، أو إجباره على المشاركة فيها ، لان الإنسان حر في المشاركة في الانتخابات ، أو عدم المشاركة فيها ، إلا انه من الأفضل المشاركة في انتخاب قادة المجتمع ، وذلك لضمان وصول أشخاص أكفاء إلى المراكز الحساسة في الدولة .
مارست الشعوب بين الحين والآخر ، منذ ظهور الديمقراطية بصورتها البدائية حقها في اختيار حكامهم وقادتهم سواء على مستوى الدول أو المجتمعات الصغيرة كالمدن الصغيرة أو القرية أو القبيلة إلا أن الآليات التي اعتمدتها تلك الشعوب كانت تختلف عما هو معتمد في أيامنا هذه في العمليات الانتخابية ، ففي المجتمعات الديمقراطية ، كان الشعب قديماً يعبر عن قبوله أو رفضه للمسؤولين في الدولة في الاجتماعات العامة التي تعقد في الأماكن المخصصة لذلك علانية ، كما كان الحال في الحضارات القديمة ، بينما في بعض المجتمعات الأخرى كان ممثلو الشعب هم الذين يختارون القادة السياسيين ، فهم يمثلون طبقات الشعب وفئاته المختلفة ، أو يعمد إلى أخذ البيعة إذ يقوم الرجال المؤهلين من أبناء البلاد بمبايعة الشخص الذي وقع عليه الاختيار في قيادة الدولة ، وفي حالة عدم نيله قبول الناس يتم رفضه ، وفي الدول التي تمتد حدودها لتشمل مساحات واسعة ، كان الولاة يرسلون بيعتهم إلى العاصمة ، وفي أحوال كثيرة كان بعض الحكام الذين يجدون في أنفسهم القوة الكافية لمقارعة السلطة يرفضون إرسال البيعة إلى الحاكم الجديد ، أو أنهم يتنصلون عن البيعة فيعلنون التمرد على السلطة ، كما حدث في خلافة علي بن أبي طالب ، إذ رفض والي الشام معاوية بن أبي سفيان الإذعان لسلطة الخلافة ، فنشبت معركة كبيرة بين الخليفة ووالي الشام عرفت بمعركة صفين .
إن تلك الصورة للانتخابات كانت بدائية ورافقتها عيوب كثيرة . منها غياب نصف المجتمع عن أداء حقه الانتخابي ، إذ أن البيعة والانتخاب كان حقاً مقتصراً على الرجال البالغين فقط ، فقد كانت المرأة لا تمتلك ذلك الحق (الترشيح + الانتخاب) ، كما أنه لم يكن بمقدور الرجال جميعاً المشاركة في الانتخابات ، إذ كان غالباً يقتصر على الوجهاء ورؤوساء العشائر والنبلاء وأصحاب الأملاك والنفوذ ، وكان في أحسن الأحوال أن الناخب والمرشح يجب أن يكونوا من دافعي الضرائب للدولة ، ولاسيما في المجتمعات الأوربية ، الأمر الذي أدى إلى حرمان أغلبية الشعب من ممارسة حقه السياسي ، وقد استمر هذا الحال حتى العقد الثاني من قرن العشرين ولاسيما فيما يتعلق الأمر بحق النساء في المشاركة في الميدان السياسي وفي أكثر المجتمعات الديمقراطية تقدما كبريطانيا والولايات المتحدة الأميركية ، وهذا يجعلنا أمام حقيقة وهي أن الديمقراطية لم تكن تلبي رغبة الجماهير الحقيقية في اختيارهم لحكامهم وممثليهم .
تختلف آليات الانتخابات من دولة لأخرى ، ولاسيما فان الدول الديمقراطية نفسها تختلف أنظمة الحكم فيها طبقاً لدساتيرها وقوانينها الخاصة بالانتخابات ، إذ أن لكل دولة دستور خاص بها يحدد نظام الحكم والسلطات ، وهنا نشير إلى بعض هذه الأنظمة :

1-  النظام الرئاسي .
2-  النظام البرلماني .
تختلف آلية الانتخابات من نظام لآخر ، ففي النظام الرئاسي ، يقوم الشعب بانتخاب رئيس الدولة بطريقة الانتخاب المباشر ، أي يقوم الناخبون باختيار احد المرشحين لتولي مهام الرئاسة في البلاد ، وعادة فان الرئيس يمتلك صلاحية كثيرة وهو الذي يقوم باختيار أعضاء حكومته ، في حين أن المجلس النيابي بالرغم من دوره المتميز ، إلا أن صلاحياته اقل مقارنة بالأنظمة البرلمانية ، ويتم انتخاب أعضاء المجلس النيابي في انتخابات مستقلة عن انتخابات رئاسة الدولة ، وبما ان دساتير الدول تختلف في بعض المسائل فان آلية احتساب الأصوات تختلف أيضاً ، وكذلك مواعيد الانتخابات ، فمثلاً إن روسيا تختلف عن الولايات المتحدة الأميركية في كثير من المسائل المتعلقة بانتخاب رئيس الدولة ، علما أن كلا البلدين نظام الحكم فيهما جمهوري رئاسي فيدرالي ، ففي روسيا تجرى انتخابات الرئاسة في يوم واحد ، والمرشح الذي يحصل على أغلبية الأصوات من بين المرشحين يصبح رئيساً للبلاد دون الاعتماد على النسبة والتناسب في أصوات الولايات ، كما هو الحال في الولايات المتحدة ، إذ تخضع أصوات الناخبين لمعادلة خاصة ، وتجرى الانتخابات على مراحل وليس بالضرورة أن تجرى في يوم واحد .
إن الفائز في انتخابات الرئاسة الأميركية يجب أن يحصل على أغلبية أصوات الولايات ، إذ أن لكل ولاية عدد محدد من الأصوات يساوي عدد ممثليها في الكونغرس الأميركي ، باستثناء ثلاثة مناطق ، من بينها العاصمة واشنطن التي لها ثلاثة أصوات وفق التعديل (23) الذي اجري على الدستور الأميركي في سنة 1961 ، أي إن على المرشح الرئاسي أن يحصل على ما لا يقل عن (207) أصوات من مجموع أصوات الولايات البالغة (538) صوتاً ، ويقوم الناخبون (538) بالإدلاء بأصواتهم في عواصم ولاياتهم في 18 كانون الأول في السنة التي تجرى فيها الانتخابات العامة ، ويعرف هؤلاء بالهيئة الناخبة ، يتم انتخابهم بالطريقة التي تضعها الهيئة التشريعية لكل ولاية . وكان الدستور الأميركي قد حدد هذه الآلية منذ أواسط الثمانينات من القرن التاسع عشر ، وذلك باختيار الناخبين الرئاسيين من كل ولاية باقتراع سكان الولاية باستثناء ولايتي ماين ونبراسكا ، إذ تسود فيهما قاعدة الأغلبية البسيطة ، أي ان الناخب الرئاسي يجب أن يحصل على الأغلبية البسيطة من أصوات ولايته ، وبالتالي يكون قد حصل على جميع أصوات الولاية في الولايتين المذكورتين ، مما يجعل الأصوات التي حصل عليها الناخبون الآخرون لا قيمة لها .
أما النظام البرلماني ، يكون فيه صلاحية رئيس الوزراء أكثر بكثير من صلاحية رئيس الدولة ، وفي أعلب الدول التي تعتمد النظام البرلماني يكاد يكون منصب رئيس الجمهورية منصباً سيادياً فخرياً رمزياً ، ليس له صلاحيات تذكر ، إذ أن السلطة التنفيذية تتركز في يد رئيس الحكومة (رئيس الوزراء) وحكومته ، وتختلف آلية الانتخابات في ظل النظام البرلماني عن الانتخابات التي تجرى في ظل النظام الرئاسي ، إذ يتم انتخاب أعضاء مجلس النواب وفق قانون خاص يعد مسبقاً لهذا الغرض يعرف بقانون الانتخابات ، ومن ثم يعهد رئيس الدولة إلى رئيس الحزب أو الكيان الذي له الأغلبية داخل مجلس النواب بتشكيل الحكومة ، ويقوم رئيس الحكومة باختيار أعضاء حكومته من داخل البرلمان أو من شخصيات من خارج البرلمان حسب دستور البلاد ، ويقوم مجلس النواب بمنح الثقة للحكومة ، عن طريق التصويت ، ويكون التصويت عادة على مرحلتين ، في المرحلة الأولى يتم التصويت على الأشخاص ، وفي المرحلة الثانية يتم التصويت على الحكومة كاملة .
الانتخابات النيابية
       إن الأنظمة الديمقراطية والقوانين الانتخابية قابلة للإصلاح والتجديد بحكم طبيعة المجتمع والتطور الحضاري المرافق للعملية الديمقراطية في جميع البلدان ، للتغلب على السلبيات التي رافقت العملية الانتخابية ، أو تلك التي أعاقت قيام ديمقراطية متكاملة ، فضلاً عن الوصول إلى حالة من الرقي الانتخابي وضمان توفير الفرص الكاملة لجميع السكان للمشاركة في العملية الديمقراطية ، وهذا يعني ضرورة تغيير الأنظمة والقوانين الانتخابية في ضوء متطلبات العملية الانتخابية لتعزيز الديمقراطية وبالشكل الذي يتلاءم مع المسار التاريخي للعملية الديمقراطية الخاص بكل بلد .
مقومات العملية الانتخابية
       تستند الانتخابات بصورة عامة على عدة مقومات من الواجب توفرها لكي تحقق العملية الانتخابية أهدافها ، ولضمان قيام نظام ديمقراطي قائم على أسس صحيحة . ويمكن تلخيص تلك المقومات فيما يأتي :

·       قانون الانتخابات
من المهم جداً وجود قانون للانتخابات في أية عملية انتخابية ، ويتم سن قانون الانتخابات من قبل لجنة خاصة تشكل لهذا الغرض ، وفي اغلب الأحيان تشكل تلك اللجنة من قبل البرلمان ، أو إحدى وزارات الحكومة ذات الصلة بالقانون (العدل مثلاً) ، إلا انه أي كانت الجهة التي تشرع القانون الانتخابي ، لابد من نيل القانون موافقة البرلمان ومصادقته ، إذ يتم عرض القانون في مجلس النواب للمناقشة ومن ثم المصادقة عليه ، وللمجلس حق الرفض والتعديل والإضافة والإلغاء سواء للقانون بأكمله أو لبعض فقراته ، وفي المحصلة النهاية فان البرلمان يقوم بالمصادقة عليه ويتم اعتماده بعد أن ينال موافقة أغلبية الأصوات . ويتضمن القانون عدة مواد يتم بموجبها بيان آلية الانتخابات وكيفية إجرائها ، إذ يحدد القانون عدد أعضاء البرلمان المقبل بالاستناد على عدد سكان البلاد ، وعدد الدوائر الانتخابية ، والية توزيع المقاعد النيابية على تلك الدوائر ، والقوائم الانتخابية والدعاية الانتخابية للمرشحين والشروط الواجب توفرها في المرشحين والية عد وفرز الأصوات والإعلان عن أسماء الفائزين وغيرها .
·       هيئة الانتخابات (مفوضية الانتخابات)
تحتاج العملية الانتخابية إلى هيئة للقيام بإدارتها وفق ما جاء في قانون الانتخابات ، وتشكل الهيئة عادة من شخصيات أكاديمية وكفوءة ومستقلة لإدارة الانتخابات ، لضمان نزاهتها وإجرائها بصورة سلسة ، وتكون الهيئة أو المفوضية مسؤولة عن إعداد سجلات الناخبين بالتعاون من الجهات الحكومية ذات العلاقة (وزارة التخطيط مثلاً – وفي العراق تم الاعتماد على سجلات وزارة التجارة (البطاقة التموينية) في الانتخابات التي جرت بعد عام 2003 ولحد يومنا هذا ، وذلك لعدم وجود إحصاء سكاني حديث يتم الاعتماد عليه ، وكانت المفوضية مسؤولة عن تحديث سجلات الناخبين ودرج أسماء الذين يحق لهم التصويت في تلك السجلات عن طريق إقامة مراكز التسجيل في عموم العراق-) ، كما أن الهيئة مسؤولة عن تدقيق ملفات المرشحين والتأكد من صحتها ومطابقتها مع الشروط الواردة في قانون الانتخابات ، وتهيئة الكوادر اللازمة لإجراء الانتخابات ، فضلاً عن مسؤوليتها المباشرة عن ضمان نزاهة الانتخابات عن طريق محاسبة القوائم المخالفة لشروط الانتخابات والدعاية الانتخابية والتأكد من صحة الأوراق الانتخابية والقيام بعمليات العد والفرز والإعلان عن النتائج النهائية . والجدير بالذكر ، فان الحكومة مسؤولة أمام الهيئة في تخصيص المبالغ المالية الكافية لإجراء الانتخابات وتوفير مستلزمات العملية الانتخابية من حماية مراكز الانتخابات وتوفير صناديق الاقتراع والأوراق الانتخابية ونقلها إلى أماكن الفرز والعد .    
·       المرشحون
إن العملية الانتخابية لا تتحقق دون وجود المرشحين . إذ يعد المرشح من احد أهم مقومات العملية الانتخابية ، ويبين قانون الانتخابات الشروط الواجب توفرها في الشخص الذي يروم الترشيح ، لتولي المناصب السيادية ولاسيما رئيس البلاد ، أو عضو البرلمان ، ومن أهمها العمر والمواطنة والجنسية والشهادة والعاهة التي تعيق عمله في مثل تلك المواقع ، وخلو سجله الشخصي من الجرائم المخلة بالشرف أو الخيانة العظمى.
·       الناخبون
يعد الناخب والمرشح طرفي المعادلة في العملية الانتخابية ، إذ أن للناخب الدور الأساسي في التصويت وهو السبيل لوصول بعض المرشحين إلى المواقع التي رشحوا أنفسهم لشغلها ، وفي الانتخابات النيابية فان الناخب يصوت لصالح احد المرشحين الذي سينوب عنه في مواقع صنع القرار في الدولة ، وهناك اختلافات بسيطة في الشروط الخاصة بالناخب والمرشح ، فمثلاً ان القوانين الانتخابية تجيز للناخب الذي لا يقل عمره عن (18) عاماً من الإدلاء بصوته في الانتخابات ، في حين أن المرشح يجب أن لا يقل عمره عن (30) عاماً ، ومن المفيد الإشارة إلى أن شرط العمر ليس نفسه في كل دول العالم ، بل يختلف من دولة إلى أخرى ومن عصر إلى آخر ، إلا انه في كل الأحوال هناك فرق بين الناخب والمرشح من حيث العمر . كما أن شرط الشهادة العلمية الواجب وجوده في المرشح ليس بالضرورة أن يكون الناخب أيضاً قد حصل على شهادة علمية إذ أن القانون لا يمنع أي مواطن بسبب الشهادة من ممارسة حقه في التصويت ، لكن الجنسية والمواطنة وسجله القضائي شروط أساسية لممارسة حقه الانتخابي .

الأحد، 12 يونيو 2011

الديمقراطية مبررات قيام النظام الديمقراطي


مبررات قيام النظام الديمقراطي
إن الدعوة إلى إقامة النظام الديمقراطي لها مبررات كثيرة ، وجاءت تلك الدعوات بعد أن سبب نظام الحكم المطلق ويلات للشعوب والمجتمعات المختلفة ، فضلاً عن غياب الشعب عن مفاصل السلطة ، إلى جانب الدور السلبي لرجال الدين والنبلاء وعصر الإقطاع ، ليس فقط في مجال الاستئثار بالسلطة فحسب ، بل نهب البلاد اقتصادياً وتدميرها عسكرياً والتسبب في إفقار الشعب ومنعه من الحصول على حقوقه في مختلف المجالات . لذا فان الشعوب خاضت نضالاً مريراً من اجل الوصول إلى حريته وحقوقه ، كي يكون عضواً فاعلاً في بناء دولته . وبما أن الديمقراطية تحقق رغبات الشعوب في نيل حقوقها ، لذا فإنها ناضلت من اجلها وطالبت بتحقيقها ، لما في ذلك من خير للدولة والمجتمع . وهنا نوجز مبررات قيام النظام الديمقراطي بما يأتي:
1- إن سيادة الشعب تتحقق من خلال حكم الشعب ، أي أنه من خلال حكم الشعب يمكن محاربة الأنظمة المستبدة ، والديمقراطية تحقق العدالة وتتيح الفرص أمام الجميع للوصول إلى المراكز السيادية وتمنع ظهور الأنظمة المستبدة من خلال تغيير الحكومات ، لان لكل حكومة لها مدة زمنية محددة ، يغيرها الشعب بعد انقضاء مدتها عن طريق انتخاب حكومة جديدة . وهنا يكون الشعب هو صاحب القرار بصورة مباشرة أو غير مباشرة .
2- القضاء على الأنظمة الدكتاتورية ، أو الفاسدة ، وتغييرها دون الحاجة إلى استخدام القوة عن طريق الثورات والانتفاضات المسلحة ، أو الانقلابات العسكرية التي تكلف البلاد كثيراً من دماء الشعب وطاقاته البشرية وموارده الاقتصادية ، فضلاً عن أن مصير البلاد يكون مجهولاً وربما يعرض وحدتها للخطر . بينما في النظام الديمقراطي ، يكون بمقدور الشعب تغيير الإدارة الحاكمة من دون تغيير الأسس القانونية للحكم ، إذا كانت تلك الإدارة لا تلبي رغبات الجماهير ولا تتفق سياستها مع آراء وتطلعات الشعب ، دون تعريض الاستقرار السياسي في البلاد للخطر ودون أن تكلف ذلك التغيير الأرواح البشرية والموارد الاقتصادية .
3- إن أشكال وأساليب النظام الديمقراطي غير محددة ، وبالتالي يمكن تبني أنظمة ديمقراطية تتلاءم مع واقع المجتمع وعاداته وتقاليده .
4- في النظام الديمقراطي ، يمكن للجميع المشاركة في الحكم وصناعة القرار السياسي ، أو إبداء الرأي وتشريع القوانين وتبني السبل الكفيلة لتطور المجتمع وتحقيق أهدافه .
5- إن الأنظمة الفردية سببت في كوارث عالمية جراء القرارات العشوائية غير المدروسة التي أدت إلى حروب كارثية في نتائجها على صعيد الفرد والمجتمع على حد سواء  ، في حين أن السلطة في البلدان الديمقراطية غير مركزية ، ولا يستطيع الحاكم في ظلها اتخاذ مثل تلك القرارات إلا بعد الرجوع إلى الشعب ، أو إلى ممثليه في مجلس النواب، ويتم عند ذلك مناقشة المسألة من جميع جوانبها ، ومن ثم يتخذ القرار المناسب بشأنها.
6- يتوجب في النظام الديمقراطي تقارب المستويات الاقتصادية واطلاع الشعب على سياسة الدولة على الصعيد الداخلي والخارجي ، ووجود القوانين والأخذ بمبدأ الفصل بين السلطات ، مما يساهم في انخفاض مستوى الفساد وكذلك انخفاض معدلات الفقر والمجاعة ويساهم ذلك بطبيعة الحال في انخفاض مستوى العنف أيضاً . وقد أثبتت الدراسات إن نسبة الفساد والفقر والعنف أقل بكثير في الدول الديمقراطية مقارنة بالدول التي تحكمها أنظمة شمولية .

الأربعاء، 8 يونيو 2011

حقوق المرأة


حقوق المرأة
تحتل المرأة مكانة متقدمة عند الباحثين والحقوقيين والمنظمات والمؤسسات المختلفة ، ويتركز الاهتمام حول دورها في المجتمع وحقوقها ، ويبدو إن هناك حالة من التقدم في شأن المرأة ، إذ أصبحت هي نفسها تتصدى للدفاع عن حقوقها ، بعد أن نجحت في اقتحام جميع مجالات الحياة دون استثناء ، في الوقت الذي كان الرجل هو الذي يحدد حقوقها ويتبنى الدفاع عنها ، وقد أسهم وجودها في جميع الميادين ، في زيادة دورها ، وتصدر موضوعها للمسائل الحياتية الأخرى .
لا يختلف الباحثون من حيث الواقع ، على أن المرأة تشكل نصف المجتمع ، ويعد دورها جوهرياً في بناء الأسرة والمجتمع ، فبعد أن خلق الله سبحانه وتعالى النبي آدم (عليه السلام) ، وانزله الجنة ، كان حزيناً لا يستأنس بما موجود في محيطه ، علماً انه كان في نعيم من صنع الله ، فخلق الله حواء ليستأنس إليها وتزيل عن آدم (عليه السلام) الوحشة([i]) ،{وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ }([ii]) ، وبالتالي تكون وسيلة للتكاثر واستمرارية الحياة ، وكما في قوله تعالى {وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}([iii]) ، وقد أصبح هذان الزوجان السبب في وجود البشرية وتكوين المجتمعات {ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِن سُلَالَةٍ مِّن مَّاء مَّهِين}([iv]) ، وهكذا فان المجتمع الإنساني يتوقف وجوده على المرأة التي أصبحت السبب في وجوده َ{يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء}([v]) .
ومن هذا المنطلق فان المرأة تعد مصدراً للحياة وهي تشكل المقوم الأساسي لبناء الأسرة التي تبدأ بالرجل والمرأة ، ومن ثم الأطفال ، والأسرة بدورها تعد النواة للمجتمع ، ونظراً للأهمية التي تتمتع بها الأسرة ، لابد أن يكون الأساس الذي تبنى عليه صحيحاً .
وقد تختلف النظرة إلى المرأة من مجتمع لآخر ، فضلاً عن اختلاف وضعها ودورها من عصر لآخر ، فمثلا في الأزمان الماضية ، كان دورها يقتصر على الإنجاب وتربية الأطفال ، وفي بعض الأحيان العمل في الحقول الزراعية ، وكانت تعاني من مشاكل كثيرة إلى جانب إهمالها واعتبارها آلة تؤدي بعض المهام الموكلة إليها ليس إلا ، وغالباً ، كان المجتمع يعدها مخلوقاً ضعيفاً لا يستطيع أن يؤدي الدور الذي يقوم به الرجل ففي المجتمع اليوناني القديم ، وعلى الرغم من عدها مصدراً للجمال والخصوبة كما هو الحال في المجتمعات القديمة الأخرى ، إلا أنها لم تأخذ دورها الطبيعي في المجتمع ، إذ كانت تعامل معاملة العبيد ، كما يرى أرسطو "إن المرأة من الرجل كالعبد من السيد ، وكالعمل اليدوي من العمل العقلي ، وكالبربري من اليوناني . والمرأة رجل ناقص ... والذكر متفوق بالطبيعة ؛ والمرأة دونه بالطبيعة ، والأول حاكم والثانية محكومة ؛ وهذا المبدأ ينطبق بالضرورة على جميع الجنس البشري" ، وكان يرى سقراط إن شجاعة المرأة ليست كشجاعة الرجل و " شجاعة الرجل في القيادة ، وشجاعة المرأة في الطاعة" ، وكان أرسطو أيضاَ يدعو الرجل إلى الزواج في سن متأخرة (37) سنة ، ومن ثم الزواج من فتاة في سن العشرين([vi]) ، ويبدو ان أرسطو كان هنا يحسب حساباً للجنس والتناسل في تقديرات الزمن ، وعلى أي حال نرى اليوم أيضاً مجتمعات تسيير على هذا النهج ، بل إن بعضها تجاوز على مبدأ أرسطو وتمادى أكثر ، إذ نشهد اليوم زواج كبار العمر من الرجال من أطفال صغيرات بين الثامنة والثانية عشرة من العمر مما سبب مآسي كثيرة لهن مثل الوفاة بسبب الولادة والطلاق ، ومثال ذلك المجتمع اليمني الذي أصبح الزواج من هذا النوع ظاهرة منتشرة([vii]). ويبدو أن الحال لم يكن يختلف كثيراً في المجتمع البابلي القديم بالنسبة للمرأة مقارنة بالمجتمعات القديمة الأخرى ، فقد كان نظام العائلة في ذلك المجتمع أبوياً كونه الركن الأساسي في البيت ، وله الحق الكامل في الحكم بمصير المرأة فيما يخص مسألة الزواج ، ولاسيما العقد والحل ، ولم تمتلك المرأة أي خيار في ذلك ، وكما للرجل الحق في الزواج بأكثر من امرأة ، ولم يكن للمرأة حق السيادة ، فالسيادة تنتقل من الأب إلى الابن قبل الزواج ، ومن ثم إلى الزوج بعد الزواج ، ولكن حال المرأة تغيرت قليلاً بعد صدور قانون حمورابي ، إذ نصت بعض المواد على حقوق المرأة وبشكل خاص المواد (127-195) ، فضلاً عن إن المرأة البابلية تمتعت ببعض الحقوق مثل العمل خارج المنزل في بعض المهن والتجارة([viii]).
لا يمكن اليوم أن ينظر إلى المرأة بعين الماضي والإرث القديم ، إذا ما كانت المرأة تعجز عن القيام به في السابق ، بسبب بنيتها الجسمانية وطبيعتها التي تختلف عن الرجل ، تستطيع أن تقوم به اليوم بفضل التقدم التكنولوجي الهائل -وهي أيضاً السبب في هذا التقدم - الذي شهده العالم في القرنيين الأخيرين ، فقد تسنى للمرأة الدخول إلى جميع ميادين الحياة ، تاركاً أثراً واضحاً على المرأة ودورها في المجتمع ، إذ أزال ذلك التقدم الأسباب التي كانت تقف أمام المرأة في اقتحام أبواب الحياة المختلفة ، حيث أن الآلة أخذت تحل محل الإنسان في اغلب الأعمال التي كان الرجال يقومون بها في السابق ، أي أن تلك الأعمال التي كانت بحاجة إلى جهد عضلي ، اليوم تؤديها الآلة بدلا من الرجال ، وأصبحت مهمة الإنسان ودوره يقتصر على الإشراف والتوجيه والسيطرة من خلال أجهزة بسيطة يستطيع الجنسين القيام بها ، كما هو الحال على سبيل المثال لا الحصر ، صناعة السيارات والقطارات والطائرات والسفن وهي تعد من الصناعات الكبيرة ، لذا فان التقدم الحضاري أتاح للمرأة مشاركة الرجل في جميع ميادين العمل بما في ذلك أيضاً عالم المال والأعمال والصناعات والسياسة والثقافة وغيرها على حد سواء ، ومن هنا بدأت المرأة والمدافعون عن حقوقها المطالبة بالمساواة بين الجنــسين ، لعدم وجود ما يميز الرجـل عن المرأة.
ونظراً لعدم وجود مميزات عقلية وجسدية تفضل الرجل على المرأة ، وعلى نحو خاص مع ما يشهده العالم من تقدم علمي وثقافي ، أسهم وبشكل كبير في إزالة الفوارق بينهما ، ووجب أن تكون هناك مساواة في جميع النواحي بين الذكر والأنثى ، أي إن الأخير لها الحق في التمتع بكل الحقوق التي يتمتع بها الذكر ، بدءاً من حق تكوين الأسرة الذي يعد حقاً مشروعاً لكلا الجنسين ، فقد أكدت وثيقة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لسنة 1948 ، على هذا الحق في مادته الثالثة (( لكل فرد الحق في الحياة والحرية وسلامة شخصه)) ، والمرأة كونها فرداً في المجتمع ، تمتلك كل الحق في الحرية والحياة ، ولا يجوز بأي حال من الأحوال انتهاك حقوقها ، أو منعها في اختيار شريك حياتها ، أو منعها من الزواج ، لذا فان الوثيقة نفسها أكدت وبشكل صريح على ذلك الحق للمرأة في المادة (16) إذ جاء فيها إن للرجل والمرأة متى بلغا سن الزواج حق التزوج وتأسيس الأسرة دون قيد بسبب الجنس أو الدين ولهما حقوق متساوية عند الزواج وأثناء قيامه وحتى عند انفراط ذلك العقد ، كما أكدت على عدم أكراه الشخص ذكراً كان أم أنثى على الزواج دون تحقيق رضى الطرفين ((لا يبرم عقد الزواج إلا برضى الطرفين الراغبين في الزواج رضى كاملاً لا إكراه فيه)) .
إن أهمية الزواج وتكوين الأسرة تكمن في أثرهما على المجتمعات ، لأنهما الأساس في تكوين الأسرة التي تعد الوحدة الطبيعية الأساسية للمجتمع ، وان البناء الصحيح لها يعني تكوين مجتمع صالح قائم على العدالة الاجتماعية وكما يقول الشاعر ( الأم مدرسة إذا أعددتها أعددت شعباً طيب الأعراق) ، وطالما ان الجزء الأكبر من المجتمعات لا يراعي الشروط الصحيحة للزواج ، فقد أكدت الفقرة الثالثة من المادة (16) على أن تحظى الأسرة بحماية المجتمع والدولة في آن واحد في اتخاذ التدابير المناسبة لتأمين مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة فيما يتعلق بحرية الاختيار والعقد والحل وعلى أن يراعى في ذلك أيضاً حقوق الأطفال وان يكون لهم الأولوية ، كما انه يترتب على الزوجين حقوق وواجبات متساوية تجاه أولادهما ، وقد منعت الوثائق الدولية إكراه الفتاة الصغيرة على الزواج أي كانت الأسباب ، لأنه يترك أثار بالغة الخطورة عليها في الجوانب النفسية والصحية ، وكذلك حتى على أطفالها وتربيتها لهم . وتنتشر اليوم ظاهرة في غاية الخطورة وبشكل خاص في المجتمعين الإسلامي والإفريقي ، ألا وهي ظاهرة ختان البنات ، وتترك هذه الظاهرة أثاراً صحية ونفسية خطيرة على الفتاة منذ إجراء عملية الختان وحتى وصولها إلى أرذل العمر ، بدءاً من آلام العملية والالتهابات التي يحدثه الجرح والخوف من التبول وتسبب تورماً في الأنسجة ، كما تظهر بشكل خاص بعد الزواج آلام ومشاكل صحية وزوجية وبرود جنسي وحرمان من المتعة وعقم مرده صعوبة الإيلاج ، فضلاً عن مشاكل الوضع والولادة ، ناهيك عن الإصابة بالتوتر وانهيار عصبي وما تولدها تلك العملية من مشاكل نفسية للفتاة . ويقدر عدد الفتيات التي أجريت لهن الختان في العالم بحوالي (114) مليون فتاة ، والعدد الأكبر منهن من قارة إفريقيا ، واهم الدول التي تعرض الفتاة للانتهاك من هذا النوع هي نيجيريا وأثيوبيا ومصر واريتريا والسودان ، والجدير بالذكر ، أن هذه الظاهرة تعود جذورها إلى عهود قديمة ، أي قبل ظهور المسيحية والإسلام ، علما أن هذه الظاهرة يمارسها المسلمون وغيرهم ، ولكن بنسب متفاوتة([ix]) .
حقوق المرأة في التعليم
        إن التعليم من المظاهر الحضارية والسبب الأساسي في رقي المجتمعات ، وعادة ان التطور فيها يقاس بمستويات التعليم فيها وبما أن المرأة تساهم وبشكل مباشر في ذلك التطور ، فان الشرائع السماوية والقوانين الدولية منحت هذا حق التعليم للإنسان بغض النظر عن جنسه ، فمثلاً ان الشريعة الإسلامية عدت التعليم وطلب العلم واجب على المرأة كما هو واجب على الرجل لما له من أهمية في صلاح المجتمع ((طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة))([x]) ، أي أن للمرأة نفس الحقوق التي يتمتع بها الرجل في ميدان التعليم وعلى جميع مستوياته ، وعليه يجب اتخاذ التدابير المناسبة لتأمين دخولها إلى جميع مراحل التعليم بما في ذلك التعليم المهني والتقني ، والتمتع بذات البرامج المختارة لتعليم الذكور وذات الامتحانات والاختبارات وذات المستويات من الكفاءات التدريسية سواء أكان التدريس في المؤسسات التعليمية مختلطا أم لا ، وكذلك ضرورة تهيئة فرص متكافئة لكلا الجنسين من المنح الدراسية والإعانات المدرسية وبرامج مواصلة التعليم بما في ذلك تعليم كبار السن .
حقوق المرأة السياسية
        على الرغم من أن أوضاع المرأة تختلف من مجتمع إلى آخر ، إلا أنها وبشكل عام استطاعت اقتحام جميع مجالات العمل بما في ذلك العمل السياسي ، فقد أخذت المرأة تولي أهمية واضحة بالعمل في الميدان السياسي في الآونة الأخيرة ، بعد ان كانت السياسة ردحاً طويلاً من الزمن حكراً على الرجال ، وأصبحت مشاركة المرأة في الحقل السياسي في هذه الأيام مظهراً يدل على رقي المجتمع ، ويمكن إيجاز حقوق المرأة في الجانب السياسي في النقاط الآتية :
1-   حق تقلد المناصب العامة ومباشرة جميع الوظائف العامة .
2-   حق الاقتراع في جميع الانتخابات والترشيح لمقاعد جميع الهيئات المنبثقة عن الانتخابات العامة .
3-   حق الاقتراع في الاستفتاءات العامة .
كانت المرأة - ولا تزال في بعض الدول- في فترة ليست بعيدة محرومة من حقوقها السياسية ، ويبدو أن بعض الدول لا تزال تعد مشاركة المرأة في الحياة السياسية من المحرمات ، ومع ذلك فان هناك الإصرار والجرأة لدى المرأة في دخول هذا المجال على الرغم من المعوقات ، ويظهر أن المجتمعات بدأت بتقبل هذه المسألة ، وكانت الولايات المتحدة الأميركية السباقة في منح المرأة حقوقها السياسية ، وجاء ذلك بعد نضال طويل للمرأة الأميركية ، بدأ منذ سنة 1875 ، واستمر حتى سنة 1920 ، لتحصل المرأة على حقها في التصويت وان تشارك في العملية السياسية في البلاد ، واتخذت الخطوة الأولى في هذا المجال سوزان بي أنتوني التي بدأت تنادي بتحرير العبيد ، ومن ثم حولت نضالها نحو حقوق المرأة ، وتوج نضال المرأة الأميركية ، بتعديل الدستور المعروف بالتعديل سوزان بي أنتوني ، وهو التعديل التاسع عشر وذلك في 21 أيار 1919 ، وصادق مجلس الشيوخ على التعديل في 4 حزيران من السنة ذاتها ، وشاركت المرأة في الانتخابات لأول مرة في سنة 1920([xi]) ، فضلاً عن السماح لها في تقلد الوظائف العامة في الدولة ، فقد أصبحت جينيت ب رانكين (1880-1973) في سنة 1917 عضواً في مجلس الشيوخ الأميركي ، وهذه هي المرة الأولى يتم فيها اختيار امرأة لهذا المكان([xii]) ، وأما على الصعيد العربي فان لبنان كانت في مقدمة الدول العربية التي منحت هذا الحق للمرأة ، وهناك شواهد كثيرة في العالم حول تقلد المرأة المراكز القيادية في بلدانها ، منهن ماركريت تاتشر رئيسة وزراء بريطانيا التي لقبت بالمرأة الحديدية ، وخالدة ضياء وبنزير بوتو في باكستان ، والشيخة حسينة في بنغلادش ، وتانسو جيلر في تركيا ، والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل واغلب هؤلاء كُن رئيسات لأحزاب سياسية ، فضلاً عن المناصب والمواقع السياسية الأخرى (وزيرات وبرلمانيات) التي شغلتها نساء في مختلف أنحاء العالم .
حقوق الجنسية
        تؤكد المواثيق الدولية على منح المرأة الحقوق نفسها التي يتمتع بها الرجل في اكتساب الجنسية أو تغييرها أو إبقائها ، ولا يترتب عن زواجها من أجنبي أي مساس بجنسيتها ، كما لا يجوز تحت أي ظرف من الظروف فرض جنسية زوجها عليها ، كما إن لها الحق في منح جنسيتها لأطفالها حالها في ذلك حال الرجال ، إلا أن الدول تختلف في طريقة تعاطيها في منح الجنسية للمرأة وأطفالها إذا كانت متزوجة من رجل أجنبي .
حق التملك
        إن للمرأة حق التملك أي كان نوعه ، والتمتع وحق التصرف به ، وكذلك حق وراثته بما في ذلك الأموال التي امتلكتها أثناء قيام الزواج ، ولها حق المساواة في التمتع بالأهلية القانونية في ما يتعلق بالامتلاك والتصرف ، وفضلاً عن ذلك ، فان للمرأة الحق في ميراث الوالدين والزوج والأقربين ، وتختلف الدول في قسمة الميراث فان الدول التي تعتمد القوانين المدنية تساوي بين الجنسين في القسمة ، ومثال ذلك غالبية الدول الغربية ، أما الدولة التي تعتمد على الشريعة الإسلامية فانها تختلف عن الدول الغربية ، وعادة هذه الدول تضع القوانين الخاصة بالأحوال الشخصية وفقاً للأحكام الشرعية وبالتالي فان نصيب الذكر من ذلك يختلف عن نصيب المرأة { يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ فَإِن كُنَّ نِسَاء فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِن كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِن كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِن لَّمْ يَكُن لَّهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ السُّدُسُ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ آبَآؤُكُمْ وَأَبناؤُكُمْ لاَ تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً فَرِيضَةً مِّنَ اللّهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيما حَكِيماً{*} وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِن لَّمْ يَكُن لَّهُنَّ وَلَدٌ فَإِن كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِن لَّمْ يَكُن لَّكُمْ وَلَدٌ فَإِن كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُم مِّن بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَإِن كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلاَلَةً أَو امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ فَإِن كَانُوَاْ أَكْثَرَ مِن ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاء فِي الثُّلُثِ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَآرٍّ وَصِيَّةً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ{*}([xiii]) .
        لقد عملت المنظمات الدولية ولا تزال تعمل على تثقيف المجتمعات وحثها على إزالة الفوارق والتمييز المصطنع بين الذكر والأنثى ، وكانت خاتمة جهودها إصدار الوثيقة الخاصة بالقضاء على التمييز ضد المرأة في 18 كانون الأول 1979 والمتكونة من (30) مادة أكدت على منح المرأة جميع الحقوق التي يتمتع بها الرجل دون تمييز ، كما أكدت على ضرورة تقبل المجتمعات لمبدأ المساواة بين الجنسين ، وتثقيف المجتمعات ، واتخاذ التدابير اللازمة الكفيلة بضمان تحقيق المساواة عن طريق وضع القوانين الخاصة بذلك وتثبيت حقوق المرأة في الدساتير([xiv]) .
نظرة عامة حول حقوق المرأة
        إن جميع المجتمعات تؤمن وتقر بالدور الكبير الذي تلعبه المرأة في المجتمع ، والمجتمع غالبا ما يقر بان للمرأة حقوق من الواجب تأمينها ، لكن الأمم تختلف حول مسألة مساواة الرجل بالمرأة ودخولها جميع ميادين الحياة بما في ذلك ميدان السياسة ، فلا تزال بعض المجتمعات لا تسمح للمرأة بأن تزاول العمل خارج إطار البيت ، وينظر فيها للمرأة بأنها خلقت فقط للمتعة والإنجاب وتربية الأطفال والعمل في الأمور المنزلية ليس إلا ، في حين أن بعض المجتمعات الأخرى تسمح للمرأة بالعمل في جميع المجالات أسوة بالرجل ، كما هو الحال في المجتمعات الغربية .
        فالمرأة في اغلب المجتمعات الشرقية لا تزال محرومة من حقوقها ، فان رب الأسرة في اغلب الأحوال هو المتحكم بمصير المرأة وهي لا تزال تعيش في أجواء القبيلة ، ولاسيما في ما يتعلق بمسألة الزواج ، حيث أن المرأة لا تمتلك حق اختيار الزوج ، فضلاً عن عدم نيل حقوقها أسوة بالرجل في مجالات أخرى مثل التعليم وقيادة السيارات والسفر ، وكذلك الموضوع الأكثر سخونة على طاولة المناقشات حول حقوق المرأة مسألة تعدد الزوجات ، خاصة في ضل عدم مراعاة الشروط الواجب توفرها في مثل هذه الحالة ، وكذلك الحال فيما يخص مسالة الميراث التي عادة المجتمعات تغض الطرف عن حقوقها بحجة إنها على ذمة رجل آخر وهو المسؤول عن توفير جميع مستلزمات الحياة ، وليس لها الحق في مال أبيها أو أقاربها ، علما ان الشرائع والقوانين قد كفلت لها هذا الحق رغم الاختلاف في القسمة التي تصيبها موازنة بالذكر .
        أما في المجال السياسي ، وعلى الرغم من التطور الهائل في هذا الجانب خاصة في الدول الغربية ، أو الدول التي تتبنى النظام الديمقراطي ، إلا أن المرأة لا تزال تعاني عدم  تحقق أهدافها وأهداف المجتمع الدولي في المساواة السياسية ، وهذا يعود إلى سببين جوهريين ، أولهما : إن المرأة قد تأخرت كثيراً في نيل حقوقها في مجال التعليم الذي يعد الأساس في التقدم في جميع المجالات بما في ذلك المجال السياسي ، والثاني : إن المجتمعات كانت ذكورية ، وكان لسلطة الأب الدور الفاعل في تحجيم دور المرأة في المجتمع ، ففي بعض الدول لا تزال المرأة محرومة من المشاركة في تولي المناصب القيادية أو المشاركة في الانتخابات سواء في الترشيح أو التصويت ، ويبدو أن مشاركة المرأة في الانتخابات ببعض الدول تكاد تكون هامشية وليس لها أي تأثير ايجابي ، إذ أن صوتها يجب أن لا يخالف صوت عائلتها ، أي إنها قد حرمت من ممارسة هذا الحق بحرية ، ومن هذه الدول على سبيل المثال العراق وجميع الدول التي يغلب عليها الطابع القبلي ، وبعضها الآخر لا يمتلك هذا الحق بتاتاً ومثال ذلك ، المملكة العربية السعودية ( وقد أجرى الملك عبد الله في 14 شباط 2009 بعض التغيرات في المناصب القيادية في البلاد ، وقد عينت امرأة في منصب نائب وزير التعليم لشؤون البنات في المملكة ، وهذا الإجراء هو الأول من نوعه في تاريخ المملكة)([xv]) ، ولحد يومنا هذا لا تسمح السلطات في المملكة للمرأة قيادة السيارات ، علماً أن في بعض الدول الأخرى التي تجيز قوانينها ذلك ، فالمجتمع نفسه لا ينظر بارتياح إلى هذه المسألة وهي نادرة إلى حد ما ، وفي المجالات الأخرى أيضاً فأن المرأة لم تنل حقوقها بعد ، فمثلاً نسبة مشاركة المرأة في السلطة القضائية ضئيلة جداً ، وفي بعض الدول خاصة تلك التي تعتمد الشريعة الإسلامية ، لا توجد مساواة في تبني شهادة المرأة (شهادة امرأتين = شهادة رجل واحد) ، ولهذه أسبابها حسب الفقه الشرعي . هذا ناهيك عن العنف الذي يمارس ضدها والذي يأخذ أشكال متعددة منها نفسي وجسدي .
        ويبدو أن التراكمات الاجتماعية بما فيها الموروث العرفي والشرعي ، قد ترك أثراً كبيراً في مسيرة المجتمعات ، إذ لا تزال هناك معاناة كبيرة للمرأة في ظلها ، وهي أسيرة ذلك الموروث الذي مفعوله أقوى حتى من قوة القوانين المدنية والشرعية في آن واحد ، وعلى سبيل المثال لا الحصر مسألة الزواج التي نوهنا عنها في موضوع حق تكوين الأسرة ، وكذلك حرية العمل ، والمساواة وغيرها ، وأمام كل هذه الخروقات ، وتأكيداً على تحقيق العدالة الاجتماعية وتطبيق القوانين الدولية الخاصة بالمرأة ، بادر المجتمع الدولي إلى إصدار وثيقة قانونية لمنع العنف ضد المرأة في 17 كانون الأول 1999 ، أملاً في وضع حد لهذه الممارسات اللاانسانية ضد المرأة([xvi]) .


[i])) الشيخ نبيل العوضي ، قصص الأنبياء ، تسجيل MP3 .
[ii])) القرآن الكريم : سورة الروم ، الآية (21) .
[iii])) القرآن الكريم : سورة الذاريات ، الآية (49) .
[iv])) القرآن الكريم : سورة السجدة ، الآية (8) .
[v])) القرآن الكريم : سورة النساء ، الآية (1) .
[vi])) ول ديورانت ، قصة الفلسفة من أفلاطون إلى جون ديوي ، منشورات مكتبة المعارف (بيروت ، 2004) ، ص 67 .
[vii])) حول هذه الظاهرة المنتشرة في اليمن والمعاناة التي تمر بها الفتيات ينظر : تقرير خاص على شبكة قناة الآن الفضائية بتاريخ 28/9/2009 ، الساعة التاسعة .
[viii])) للتفاصيل عن حقوق المرأة في المجتمع البابلي بشكل خاص والعراقي القديم بشكل عام ، ينظر : سهيل قاشا ، المرأة في شريعة حمورابي ، منشورات مكتبة بسام (الموصل ، د.ت) .
[ix])) مناع ، المصدر السابق ، ص 217-219 .
[x])) موسوعة الحديث النبوي الشريف ، رواه  ابن ماجة .
[xi])) كريستين أيه لونارديني ، حقوق المرأة : مسائل اجتماعية في سلسلة التاريخ الاميركي ، ترجمة أسعد ابو لبدة ، دار البشير (عمان ، 2004) ، ص 154-157 .
[xii]))  المصدر نفسه ، ص 159-162 .
[xiii])) القرآن الكريم : سورة النساء ، الآية (10-12) .
[xiv])) جه ند دؤكيؤميتيكى نيودة ولة تى لة بارةى مافةكانى مرؤثةوة ، بةرطي يةكةم ، وةرطيرانى قادر وريا (هةولير ، 2006) ، ل 58-81 .
[xv])) شبكة قناة الإخبارية الفضائية (سعودية) ، نشرة الأخبار ، 14/شباط/2009 ، الساعة الثامنة .
[xvi])) جه ند دؤكيؤميتيكى نيودة ولة تى لة بارةى مافةكانى مرؤثةوة ، سةرظاوةى ثيشوو ، ل141-150 .

الأحد، 5 يونيو 2011

حقوق الاطفال

حقوق الطفل
       يعد الطفل المقوم الأساسي لبناء المجتمعات ، إذ يعد بمثابة النواة لها ، فكلما تم إعداده بشكل صحيح ، كلما كان دوره ايجابياً في المجتمع ، ومن هنا يبرز أهمية تربيته وتوفير الجو المناسب له والاهتمام الكافي به ومنحه حقوقه .
    وعلى الرغم من عدم وجود تعريف خاص بالطفل في القواميس العالمية ، لكن يمكن القول: إن الطفل هو الإنسان الذي يعيش في مرحلة معينة من العمر لا يستطيع أن يلبي احتياجاته بنفسه دون رعاية خاصة من الآخرين في كثير من النواحي . والإنسان في مراحل حياته الأولى بحاجة ماسة إلى تقديم العون الكافي وتوفير مناخ مناسب له ، حتى يمكنه من التعرف على محيطه بشكل جيد ، والتعامل معه على أسس صحيحة  ، وهنا يعد الإنسان قاصراً ، وتختلف الاحتياجات حسب المراحل العمرية ، بالنسبة إلى القاصر ، ويمكن تقسيمها على أربعة مراحل : الصغير : 1-7 سنوات . الولد : 8- 12 سنة . المراهق : 12- 15 سنة . الفتى : 15- 18 سنة ، ويعد الإنسان بالغاً إذا وصل إلى (18) من عمره ، والطفل في تلك المراحل تختلف احتياجاته من مرحلة إلى أخرى ، ويظهر إن المشرعين قد أخذوا بنظر الاعتبار هذه الفئات العمرية  وكيفية التعامل معها ، والجدير بالذكر انه لا يمكن تطبيق هذه التقسيمات على جميع مناطق العالم ، وذلك لاختلاف الظروف البيئية والمناخية التي تؤثر في جوانب معينة من تركيبة الإنسان . مع أن المجتمع الدولي عد كل إنسان لم يتجاوز عمره (18) سنة طفلاً ، فقد ورد في المادة في المادة الأولى من اتفاقية حقوق الطفل الموقعة من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة في 20 تشرين الثاني 1989 . "لأغراض هذه الاتفاقية ، يعني الطفل كل إنسان لم يتجاوز الثامنة عشرة ، ما لم يبلغ سن الرشد قبل ذلك بموجب القانون المنطبق عليه"([i]).
    يشكل الطفل النواة لتكوين الأسرة التي بدورها تعد الأساس لتكوين المجتمع ، فقد اثبت علماء النفس والتربية مدى تأثير الطفولة على الشباب والكهولة ، وعلى المجتمع بشكل عام ، وهذا يؤكد الأهمية الكبرى للطفولة وأثرها في بناء المجتمعات ، لذا فقد أكدت المواثيق الدولية على الاهتمام بالطفل ورعايته رعاية خاصة ومنحه الأفضل ، فقد أكدت وثيقة حقوق الطفل لسنة 1959، على ذلك بالقول (( إن على الجنس البشري أن يمنح الطفل خير ما عنده))([ii]).
     ومن اجل طفولة سليمة ، يفترض أن تكون بدايته صحيحة ، بدءاً من ارتباط الزوج بالزوجة ، والواجب يدعو إلى إجراء فحوصات مختبرية قبل الزواج لضمان سلامة الأطفال في المستقبل وتقليل نسبة الأمراض التي تؤدي إلى عوق الطفل أو إصابته بعاهة خلقية وغير ذلك نتيجة للإهمال المتعمد أو الإغفال . كما أنه في أثناء فترة الحمل يجب على الزوجين الاهتمام بالجنين بشكل خاص من خلال مراجعة المراكز الصحية بصورة دورية لمعرفة وضع الجنين ، وكذلك اخذ المرأة للقاحات المحددة أثناء الحمل ، وان تعتني المرأة بغذائها خلال فترة الحمل لغرض نمو الجنين بشكل جيد ، فضلا عن عدم إجهاد نفسها في أعمال شاقة لا تتناسب مع وضعها خلال فترة العشرة الأسابيع التي تقع خلالها عملية الولادة ، وفي ذلك أيضاً حق للمرأة .
     لقد كان لمعاناة المجتمعات العالمية اثر كبير في العمل على إيجاد منظمات دولية تعمل من أجل السلم والأمن ورفع المستوى المعيشي للإنسان ، إذ الحربين العالميتين كانتا بمثابة الكارثة التي حلت على الإنسانية ، فعلى مستوى الطفولة والأمومة كانت نتائجهما مأساوية ، فقد أصبحت آلاف مؤلفة من النساء أرامل ومن الأطفال أيتاماً ، وترتب عنهما أوضاع اجتماعية مأساوية ، أجبرت النساء والأطفال على العمل في مجالات لا تتناسب مع البنية الجسمانية لهما ، وكل هذا كان مدعاة لإصدار وثائق خاصة تعنى بحقوق الطفل والأم .
    إن الوثيقة العالمية لحقوق الإنسان الصادرة في كانون الأول 1948 ، أعطت أهمية كبيرة للأمومة والطفولة ، فقد جاء في الفقرة الثانية من المادة (25) من الوثيقة (( للأمومة والطفولة الحق في مساعدة ورعاية خاصتين . وينعم كل الأطفال بنفس الحماية الاجتماعية سواء كانت ولادتهم ناتجة عن رباط شرعي أم بطريقة غير شرعية )) ، والفقرة الأولى  من المادة نفسها أكدت على بعض الحقوق الأخرى للطفل ضمن حقوق الأسرة ،  وفضلاً عن ذلك فقد أكدت المادة (26) على أحقية كل شخص في التعليم على أن يكون التعليم الأولي إلزامياً ، وعلى قدم المساواة للجميع .
      ونظراً لما يتمتع الطفل من عناية خاصة لدى المجتمع الدولي ، فقد صدرت عن الجمعية العمومية للأمم المتحدة وثيقة خاصة عرفت بـ (وثيقة إعلان حقوق الطفل) في 20 كانون الأول 1959 ، وتتألف من مقدمة وعشرة مبادئ استنادا لما جاء في وثيقة حقوق الطفل لسنة 1924  ووثيقة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان . وقد دعت الوثيقة الأفراد والهيئات والحكومات إلى الاعتراف بحقوق الطفل وإيجاد الأنظمة والتدابير الكفيلة بتأمين حقوق الطفل وحمايته دون أي تمييز بسبب العنصر أو الدين أو اللون ، وقد جاء في مقدمة تلك الحقوق أن (( يعرف الطفل باسم معين وبجنسية معينة )) ، وان توفر له في جو من الحنان تنشئة موسومة بالحرية والكرامة ، وتغذية كافية وعناية طبية ووسائل رياضية وترفيه وتثقيف ، وكما أكدت الوثيقة أيضاً على توفير رعاية خاصة وتأمين حياة مثلى للطفل المصاب بعجز أو عاهة ، كما نصت على حماية الطفل من القسوة ومن الاستغلال والمتاجرة ، ومنع استخدامه في العمل قبل سن مناسبة أو في أعمال مرهقة عائقة لنموه أو تعليمه والعمل على وقايته من كل ما يبث في نفسه روح التمييز العنصري أو الديني([iii]).
      واستكمالاً للجهود الدولية المبذولة في مجال حماية الطفل وحقوقه ، فقد أصدرت المنظمات الدولية عدة قرارات ووثائق خاصة بحقوق الطفل ، اتخذت بعضها صفة الإلزام بالنسبة للدول التي وقعت عليها لتطبيقها على الصعيد الوطني ، وتناولت المبادئ الاجتماعية والقانونية الأساسية لحقوق الطفل وحمايتها ورعايتها . من هذه القرارات : الإعلان الخاص بشأن حماية النساء والأطفال أثناء الطوارئ والمنازعات المسلحة ، وحمل الإعلان الرقم (3318) في 14 كانون الأول 1975 ، والقواعد الخاصة بإدارة شؤون قضاء الأحداث المعروفة بـ (قواعد بكين) ذي الرقم (40/33) في 29 تشرين الثاني 1985 ، وقرار الجمعية العامة ذي الرقم (41/85) في 3 كانون الأول 1986([iv]) ، والاهم من كل تلك الوثائق ، الاتفاقية التي عرفت بـ (اتفاقية حقوق الطفل) التي أقرتها الجمعية العامة واعتمدتها في 20 تشرين الثاني 1989 ، وتتضمن ديباجة و (54) مادة مقسمة على ثلاثة أجزاء وخاتمة ، وجاءت صفة الإلزام في المادة الثانية ، إذ نصت على أن "الدول الأطراف في هذه الاتفاقية تضمن الحقوق الموضحة في هذه الاتفاقية لكل طفل يخضع لولايتها دون أي نوع من أنواع التمييز ، بغض النظر عن عنصر الطفل أو والديه أو الأوصياء الشرعيين عليه أو لونهم أو جنسهم أو لغتهم أو دينهم أو رأيهم السياسي أو غيره ..." ، وأكدت المواد الأخرى على أصالة حق الطفل في الحياة وتكفل الدول بذلك وبنموه ، وللطفل الحق في التسجيل بعد ولادته ، والحق في اسم واكتساب جنسية ما والحفاظ على هويته والسكن الملائم وحنان والديه والاهتمام بتعليمه وتربيته وتوفير مستلزماتهما ، وصقل مواهبه والعناية باحتياجاته ونتاجاته الفكرية والثقافية وغيرها([v]) .
     لم يكن عمل المنظمة الدولية مقتصراً فقط على إصدار الوثائق الخاصة بحقوق الإنسان بشكل عام ، وحقوق الطفل والمرأة بشكل خاص ، بل أسست عدة منظمات دولية سواء تلك التابعة من هيئة الأمم المتحدة أو تحت إشرافها أو بدعم منها ، وتأتي في مقدمة تلك المنظمات منظمة اليونسيف التي تعنى بالأمومة والطفولة وتعمل على مراقبة حقوق المرأة والطفل وتقديم العون المناسب لهما من خلال جهودها في مختلف مجالات ولاسيما في مجال الـرعاية الصحية ، وكذلك منظمة اليونسكو التي تهتم بالتربية والتعليم وتعمل في القضاء على الأمية وتوفير فرص التعليم للأطفال في جميع أنحاء العالم ، فضلاً عن تقديم الدعم المباشر لذلك الغرض ، وهناك منظمات ومؤسسات أُخر تساهم بصورة غير مباشرة في خدمة الطفولة مثل المنظمة الاقتصادية والاجتماعية التي تعمل على تقديم العون الاقتصادي والاجتماعي وتقليل الفوارق بين المجتمعات .
    وفي ضوء ما تقدم ، تبين هناك جملة من الحقوق الواجب على الإنسان والهيئات والحكومات منحها للطفل وأكدت جميع الشرائع والوثائق العالمية والقوانين على حاجة الطفل إلى عناية خاصة ، والمجتمعات وان اختلفت في عاداتها وتقاليدها وأعرافها وشرائعها ، إلا أنها تجمع على ان الطفل مخلوق بحاجة إلى العطف والحنان والرعاية الخاصة ، لاسيما ان الطفل منذ ان يرى النور يبدأ بالتعرف على محيطه لان ذاكرته لا تزال عبارة عن سجل أبيض لم يسطر فيه شيء ، فالمحيط الذي ينشأ فيه سيؤثر على تكوينه الفكري والجسدي فتعريفه بالأشياء وتعليمه بشكل حضاري والإجابة على أسئلته بشكل صحيح ودقيق فضلاً عن تصحيح أخطائه وإعطائه توضيحاً كافياً عن الخطأ وأثره ، وكذلك توفير الغذاء المناسب له والعناية الصحية الجيدة ، سيكون لها أثرها الواضح في نموه الفكري والعقلي والجسدي مستقبلا ، وكلما كانت العناية جيدة كان أثره في المجتمع ايجابياً ، فالطفل كالبذرة التي تزرعها كلما كانت العناية بها أفضل كانت ثمرتها أفضل وأوفر .
    ان الطفل بحاجة إلى فسحة من الحرية لاختيار حاجاته لان ذلك يعزز لديه الثقة بالنفس ، خاصة وان أصحاب الاختصاص في مجال علم النفس والنمو لا يحددون سناً معينة لاكتساب الطفل مهارة اتخاذ القرار ، إنما هي فطرة طبيعية تنشأ معه وتتطور مع نموه دون إدراك ، فإلى جانب حاجته إلى توضيح المسائل الحياتية والعطف والحنان الواجب ان يعيش الطفل في أجوائها ، فهو أيضاً بحاجة ماسة إلى إعطائه فرصة من الحرية لاتخاذ قراراته بنفسه ، حتى تتولد لديه الثقة بالنفس واختيار مستقبله ، وهذا يتناغم مع الحديث النبوي الشريف (( لاطفه سبعاً ، ثم صاحبه سبعاً ، ثم اترك له الحبل على الغارب )) ([vi]) .
        وقد بين الشرع الإسلامي حقوق الطفل في عدة جوانب في ضوء ما كان يعانيه الطفل في المجتمع الجاهلي ، فمثلاً مسألة الإجهاض كانت منتشرة وكذلك كان الآباء يعمدون إلى قتل بناتهم بحجة إنها تجلب العار لأبيها ، فكانت ظاهرة وأد البنات منتشرة في الجاهلية ، وقد أنكر الإسلام ذلك وعدها جرائم يحاسب عليها ، إذ قال تعالى  {وَإِذَا الْمَوْؤُودَةُ سُئِلَتْ* بِأَيِّ ذَنبٍ قُتِلَت}([vii]) ، وقد ذهب الإسلام إلى ابعد من ذلك عندما حرم القصاص من المرأة الحامل المذنبة حتى تضع مولودها ، وترعاه لحولين كاملين ، لان القصاص سيؤثر على الجنين وذلك ليس من اجل المرأة طبعاً ، بل من اجل الوليد الذي بحاجة إلى رعاية الأم الخاصة على الأقل خلال فترة الرضاعة .
أما القوانين فقد أنصفت الأطفال في كيفية التعامل معهم بالشكل الذي يتناسب مع سيكولوجية الطفل ، فلا يجوز سجن الطفل خلال السبع السنوات الأولى أياً كانت جريمته لأنه لا يعي آثار جريمته ، ويبدو أن ذلك ينسجم تماما مع الحديث الشريف ((رفع القلم عن ثلاثةٍ: عن النائم حتى يستيقظ، وعن المبتلى حتى يبرأ، وعن الصَّبيِّ حتى يكبر))([viii]). أما بالنسبة للأحداث الذين هم بين 7 – 15 من العمر ، فهناك إجراءات حماية وتدابير تأديب تتخذ بحقهم ، من خلال وضعهم في إصلاحية أو معهد تأديبي ، ولا يجوز بأي حال من الأحوال وضعهم في سجن عام ، أو لغرض معاقبة الطفل ، وإنما يجب أن يوضع في سجن خاص بالأحداث والغرض منه إصلاح الطفل ، حتى يستطيع أن يمارس حياته فيما بعد بصورة طبيعية .


[i])) مناع ، المصدر السابق ، ص 587 .
[ii])) لحود ومغيزل ، المصدر السابق ، ص 53 .
[iii])) المصدر نفسه ، ص 52-53 .
[iv])) مناع ، المصدر السابق ، ص 586-587 .
[v])) للوقوف على مواد الاتفاقية . ينظر : المصدر نفسه ، ص 587-605 .
[vi])) قناة زاكروس الفضائية (عراقية) ، برنامج المجتمع والشريعة ، برنامج اسبوعي ، الثلاثاء السابعة مساءً.
[vii])) القرآن الكريم ، سورة التكوير ، الآية (8-9) .
[viii])) موسوعة الحديث النبوي الشريف ، فهرس أبو داود ، كتاب الحدود .