الدكتور نبيل المظفري facebook

لصق الكود

الأربعاء، 8 يونيو 2011

حقوق المرأة


حقوق المرأة
تحتل المرأة مكانة متقدمة عند الباحثين والحقوقيين والمنظمات والمؤسسات المختلفة ، ويتركز الاهتمام حول دورها في المجتمع وحقوقها ، ويبدو إن هناك حالة من التقدم في شأن المرأة ، إذ أصبحت هي نفسها تتصدى للدفاع عن حقوقها ، بعد أن نجحت في اقتحام جميع مجالات الحياة دون استثناء ، في الوقت الذي كان الرجل هو الذي يحدد حقوقها ويتبنى الدفاع عنها ، وقد أسهم وجودها في جميع الميادين ، في زيادة دورها ، وتصدر موضوعها للمسائل الحياتية الأخرى .
لا يختلف الباحثون من حيث الواقع ، على أن المرأة تشكل نصف المجتمع ، ويعد دورها جوهرياً في بناء الأسرة والمجتمع ، فبعد أن خلق الله سبحانه وتعالى النبي آدم (عليه السلام) ، وانزله الجنة ، كان حزيناً لا يستأنس بما موجود في محيطه ، علماً انه كان في نعيم من صنع الله ، فخلق الله حواء ليستأنس إليها وتزيل عن آدم (عليه السلام) الوحشة([i]) ،{وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ }([ii]) ، وبالتالي تكون وسيلة للتكاثر واستمرارية الحياة ، وكما في قوله تعالى {وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}([iii]) ، وقد أصبح هذان الزوجان السبب في وجود البشرية وتكوين المجتمعات {ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِن سُلَالَةٍ مِّن مَّاء مَّهِين}([iv]) ، وهكذا فان المجتمع الإنساني يتوقف وجوده على المرأة التي أصبحت السبب في وجوده َ{يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء}([v]) .
ومن هذا المنطلق فان المرأة تعد مصدراً للحياة وهي تشكل المقوم الأساسي لبناء الأسرة التي تبدأ بالرجل والمرأة ، ومن ثم الأطفال ، والأسرة بدورها تعد النواة للمجتمع ، ونظراً للأهمية التي تتمتع بها الأسرة ، لابد أن يكون الأساس الذي تبنى عليه صحيحاً .
وقد تختلف النظرة إلى المرأة من مجتمع لآخر ، فضلاً عن اختلاف وضعها ودورها من عصر لآخر ، فمثلا في الأزمان الماضية ، كان دورها يقتصر على الإنجاب وتربية الأطفال ، وفي بعض الأحيان العمل في الحقول الزراعية ، وكانت تعاني من مشاكل كثيرة إلى جانب إهمالها واعتبارها آلة تؤدي بعض المهام الموكلة إليها ليس إلا ، وغالباً ، كان المجتمع يعدها مخلوقاً ضعيفاً لا يستطيع أن يؤدي الدور الذي يقوم به الرجل ففي المجتمع اليوناني القديم ، وعلى الرغم من عدها مصدراً للجمال والخصوبة كما هو الحال في المجتمعات القديمة الأخرى ، إلا أنها لم تأخذ دورها الطبيعي في المجتمع ، إذ كانت تعامل معاملة العبيد ، كما يرى أرسطو "إن المرأة من الرجل كالعبد من السيد ، وكالعمل اليدوي من العمل العقلي ، وكالبربري من اليوناني . والمرأة رجل ناقص ... والذكر متفوق بالطبيعة ؛ والمرأة دونه بالطبيعة ، والأول حاكم والثانية محكومة ؛ وهذا المبدأ ينطبق بالضرورة على جميع الجنس البشري" ، وكان يرى سقراط إن شجاعة المرأة ليست كشجاعة الرجل و " شجاعة الرجل في القيادة ، وشجاعة المرأة في الطاعة" ، وكان أرسطو أيضاَ يدعو الرجل إلى الزواج في سن متأخرة (37) سنة ، ومن ثم الزواج من فتاة في سن العشرين([vi]) ، ويبدو ان أرسطو كان هنا يحسب حساباً للجنس والتناسل في تقديرات الزمن ، وعلى أي حال نرى اليوم أيضاً مجتمعات تسيير على هذا النهج ، بل إن بعضها تجاوز على مبدأ أرسطو وتمادى أكثر ، إذ نشهد اليوم زواج كبار العمر من الرجال من أطفال صغيرات بين الثامنة والثانية عشرة من العمر مما سبب مآسي كثيرة لهن مثل الوفاة بسبب الولادة والطلاق ، ومثال ذلك المجتمع اليمني الذي أصبح الزواج من هذا النوع ظاهرة منتشرة([vii]). ويبدو أن الحال لم يكن يختلف كثيراً في المجتمع البابلي القديم بالنسبة للمرأة مقارنة بالمجتمعات القديمة الأخرى ، فقد كان نظام العائلة في ذلك المجتمع أبوياً كونه الركن الأساسي في البيت ، وله الحق الكامل في الحكم بمصير المرأة فيما يخص مسألة الزواج ، ولاسيما العقد والحل ، ولم تمتلك المرأة أي خيار في ذلك ، وكما للرجل الحق في الزواج بأكثر من امرأة ، ولم يكن للمرأة حق السيادة ، فالسيادة تنتقل من الأب إلى الابن قبل الزواج ، ومن ثم إلى الزوج بعد الزواج ، ولكن حال المرأة تغيرت قليلاً بعد صدور قانون حمورابي ، إذ نصت بعض المواد على حقوق المرأة وبشكل خاص المواد (127-195) ، فضلاً عن إن المرأة البابلية تمتعت ببعض الحقوق مثل العمل خارج المنزل في بعض المهن والتجارة([viii]).
لا يمكن اليوم أن ينظر إلى المرأة بعين الماضي والإرث القديم ، إذا ما كانت المرأة تعجز عن القيام به في السابق ، بسبب بنيتها الجسمانية وطبيعتها التي تختلف عن الرجل ، تستطيع أن تقوم به اليوم بفضل التقدم التكنولوجي الهائل -وهي أيضاً السبب في هذا التقدم - الذي شهده العالم في القرنيين الأخيرين ، فقد تسنى للمرأة الدخول إلى جميع ميادين الحياة ، تاركاً أثراً واضحاً على المرأة ودورها في المجتمع ، إذ أزال ذلك التقدم الأسباب التي كانت تقف أمام المرأة في اقتحام أبواب الحياة المختلفة ، حيث أن الآلة أخذت تحل محل الإنسان في اغلب الأعمال التي كان الرجال يقومون بها في السابق ، أي أن تلك الأعمال التي كانت بحاجة إلى جهد عضلي ، اليوم تؤديها الآلة بدلا من الرجال ، وأصبحت مهمة الإنسان ودوره يقتصر على الإشراف والتوجيه والسيطرة من خلال أجهزة بسيطة يستطيع الجنسين القيام بها ، كما هو الحال على سبيل المثال لا الحصر ، صناعة السيارات والقطارات والطائرات والسفن وهي تعد من الصناعات الكبيرة ، لذا فان التقدم الحضاري أتاح للمرأة مشاركة الرجل في جميع ميادين العمل بما في ذلك أيضاً عالم المال والأعمال والصناعات والسياسة والثقافة وغيرها على حد سواء ، ومن هنا بدأت المرأة والمدافعون عن حقوقها المطالبة بالمساواة بين الجنــسين ، لعدم وجود ما يميز الرجـل عن المرأة.
ونظراً لعدم وجود مميزات عقلية وجسدية تفضل الرجل على المرأة ، وعلى نحو خاص مع ما يشهده العالم من تقدم علمي وثقافي ، أسهم وبشكل كبير في إزالة الفوارق بينهما ، ووجب أن تكون هناك مساواة في جميع النواحي بين الذكر والأنثى ، أي إن الأخير لها الحق في التمتع بكل الحقوق التي يتمتع بها الذكر ، بدءاً من حق تكوين الأسرة الذي يعد حقاً مشروعاً لكلا الجنسين ، فقد أكدت وثيقة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لسنة 1948 ، على هذا الحق في مادته الثالثة (( لكل فرد الحق في الحياة والحرية وسلامة شخصه)) ، والمرأة كونها فرداً في المجتمع ، تمتلك كل الحق في الحرية والحياة ، ولا يجوز بأي حال من الأحوال انتهاك حقوقها ، أو منعها في اختيار شريك حياتها ، أو منعها من الزواج ، لذا فان الوثيقة نفسها أكدت وبشكل صريح على ذلك الحق للمرأة في المادة (16) إذ جاء فيها إن للرجل والمرأة متى بلغا سن الزواج حق التزوج وتأسيس الأسرة دون قيد بسبب الجنس أو الدين ولهما حقوق متساوية عند الزواج وأثناء قيامه وحتى عند انفراط ذلك العقد ، كما أكدت على عدم أكراه الشخص ذكراً كان أم أنثى على الزواج دون تحقيق رضى الطرفين ((لا يبرم عقد الزواج إلا برضى الطرفين الراغبين في الزواج رضى كاملاً لا إكراه فيه)) .
إن أهمية الزواج وتكوين الأسرة تكمن في أثرهما على المجتمعات ، لأنهما الأساس في تكوين الأسرة التي تعد الوحدة الطبيعية الأساسية للمجتمع ، وان البناء الصحيح لها يعني تكوين مجتمع صالح قائم على العدالة الاجتماعية وكما يقول الشاعر ( الأم مدرسة إذا أعددتها أعددت شعباً طيب الأعراق) ، وطالما ان الجزء الأكبر من المجتمعات لا يراعي الشروط الصحيحة للزواج ، فقد أكدت الفقرة الثالثة من المادة (16) على أن تحظى الأسرة بحماية المجتمع والدولة في آن واحد في اتخاذ التدابير المناسبة لتأمين مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة فيما يتعلق بحرية الاختيار والعقد والحل وعلى أن يراعى في ذلك أيضاً حقوق الأطفال وان يكون لهم الأولوية ، كما انه يترتب على الزوجين حقوق وواجبات متساوية تجاه أولادهما ، وقد منعت الوثائق الدولية إكراه الفتاة الصغيرة على الزواج أي كانت الأسباب ، لأنه يترك أثار بالغة الخطورة عليها في الجوانب النفسية والصحية ، وكذلك حتى على أطفالها وتربيتها لهم . وتنتشر اليوم ظاهرة في غاية الخطورة وبشكل خاص في المجتمعين الإسلامي والإفريقي ، ألا وهي ظاهرة ختان البنات ، وتترك هذه الظاهرة أثاراً صحية ونفسية خطيرة على الفتاة منذ إجراء عملية الختان وحتى وصولها إلى أرذل العمر ، بدءاً من آلام العملية والالتهابات التي يحدثه الجرح والخوف من التبول وتسبب تورماً في الأنسجة ، كما تظهر بشكل خاص بعد الزواج آلام ومشاكل صحية وزوجية وبرود جنسي وحرمان من المتعة وعقم مرده صعوبة الإيلاج ، فضلاً عن مشاكل الوضع والولادة ، ناهيك عن الإصابة بالتوتر وانهيار عصبي وما تولدها تلك العملية من مشاكل نفسية للفتاة . ويقدر عدد الفتيات التي أجريت لهن الختان في العالم بحوالي (114) مليون فتاة ، والعدد الأكبر منهن من قارة إفريقيا ، واهم الدول التي تعرض الفتاة للانتهاك من هذا النوع هي نيجيريا وأثيوبيا ومصر واريتريا والسودان ، والجدير بالذكر ، أن هذه الظاهرة تعود جذورها إلى عهود قديمة ، أي قبل ظهور المسيحية والإسلام ، علما أن هذه الظاهرة يمارسها المسلمون وغيرهم ، ولكن بنسب متفاوتة([ix]) .
حقوق المرأة في التعليم
        إن التعليم من المظاهر الحضارية والسبب الأساسي في رقي المجتمعات ، وعادة ان التطور فيها يقاس بمستويات التعليم فيها وبما أن المرأة تساهم وبشكل مباشر في ذلك التطور ، فان الشرائع السماوية والقوانين الدولية منحت هذا حق التعليم للإنسان بغض النظر عن جنسه ، فمثلاً ان الشريعة الإسلامية عدت التعليم وطلب العلم واجب على المرأة كما هو واجب على الرجل لما له من أهمية في صلاح المجتمع ((طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة))([x]) ، أي أن للمرأة نفس الحقوق التي يتمتع بها الرجل في ميدان التعليم وعلى جميع مستوياته ، وعليه يجب اتخاذ التدابير المناسبة لتأمين دخولها إلى جميع مراحل التعليم بما في ذلك التعليم المهني والتقني ، والتمتع بذات البرامج المختارة لتعليم الذكور وذات الامتحانات والاختبارات وذات المستويات من الكفاءات التدريسية سواء أكان التدريس في المؤسسات التعليمية مختلطا أم لا ، وكذلك ضرورة تهيئة فرص متكافئة لكلا الجنسين من المنح الدراسية والإعانات المدرسية وبرامج مواصلة التعليم بما في ذلك تعليم كبار السن .
حقوق المرأة السياسية
        على الرغم من أن أوضاع المرأة تختلف من مجتمع إلى آخر ، إلا أنها وبشكل عام استطاعت اقتحام جميع مجالات العمل بما في ذلك العمل السياسي ، فقد أخذت المرأة تولي أهمية واضحة بالعمل في الميدان السياسي في الآونة الأخيرة ، بعد ان كانت السياسة ردحاً طويلاً من الزمن حكراً على الرجال ، وأصبحت مشاركة المرأة في الحقل السياسي في هذه الأيام مظهراً يدل على رقي المجتمع ، ويمكن إيجاز حقوق المرأة في الجانب السياسي في النقاط الآتية :
1-   حق تقلد المناصب العامة ومباشرة جميع الوظائف العامة .
2-   حق الاقتراع في جميع الانتخابات والترشيح لمقاعد جميع الهيئات المنبثقة عن الانتخابات العامة .
3-   حق الاقتراع في الاستفتاءات العامة .
كانت المرأة - ولا تزال في بعض الدول- في فترة ليست بعيدة محرومة من حقوقها السياسية ، ويبدو أن بعض الدول لا تزال تعد مشاركة المرأة في الحياة السياسية من المحرمات ، ومع ذلك فان هناك الإصرار والجرأة لدى المرأة في دخول هذا المجال على الرغم من المعوقات ، ويظهر أن المجتمعات بدأت بتقبل هذه المسألة ، وكانت الولايات المتحدة الأميركية السباقة في منح المرأة حقوقها السياسية ، وجاء ذلك بعد نضال طويل للمرأة الأميركية ، بدأ منذ سنة 1875 ، واستمر حتى سنة 1920 ، لتحصل المرأة على حقها في التصويت وان تشارك في العملية السياسية في البلاد ، واتخذت الخطوة الأولى في هذا المجال سوزان بي أنتوني التي بدأت تنادي بتحرير العبيد ، ومن ثم حولت نضالها نحو حقوق المرأة ، وتوج نضال المرأة الأميركية ، بتعديل الدستور المعروف بالتعديل سوزان بي أنتوني ، وهو التعديل التاسع عشر وذلك في 21 أيار 1919 ، وصادق مجلس الشيوخ على التعديل في 4 حزيران من السنة ذاتها ، وشاركت المرأة في الانتخابات لأول مرة في سنة 1920([xi]) ، فضلاً عن السماح لها في تقلد الوظائف العامة في الدولة ، فقد أصبحت جينيت ب رانكين (1880-1973) في سنة 1917 عضواً في مجلس الشيوخ الأميركي ، وهذه هي المرة الأولى يتم فيها اختيار امرأة لهذا المكان([xii]) ، وأما على الصعيد العربي فان لبنان كانت في مقدمة الدول العربية التي منحت هذا الحق للمرأة ، وهناك شواهد كثيرة في العالم حول تقلد المرأة المراكز القيادية في بلدانها ، منهن ماركريت تاتشر رئيسة وزراء بريطانيا التي لقبت بالمرأة الحديدية ، وخالدة ضياء وبنزير بوتو في باكستان ، والشيخة حسينة في بنغلادش ، وتانسو جيلر في تركيا ، والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل واغلب هؤلاء كُن رئيسات لأحزاب سياسية ، فضلاً عن المناصب والمواقع السياسية الأخرى (وزيرات وبرلمانيات) التي شغلتها نساء في مختلف أنحاء العالم .
حقوق الجنسية
        تؤكد المواثيق الدولية على منح المرأة الحقوق نفسها التي يتمتع بها الرجل في اكتساب الجنسية أو تغييرها أو إبقائها ، ولا يترتب عن زواجها من أجنبي أي مساس بجنسيتها ، كما لا يجوز تحت أي ظرف من الظروف فرض جنسية زوجها عليها ، كما إن لها الحق في منح جنسيتها لأطفالها حالها في ذلك حال الرجال ، إلا أن الدول تختلف في طريقة تعاطيها في منح الجنسية للمرأة وأطفالها إذا كانت متزوجة من رجل أجنبي .
حق التملك
        إن للمرأة حق التملك أي كان نوعه ، والتمتع وحق التصرف به ، وكذلك حق وراثته بما في ذلك الأموال التي امتلكتها أثناء قيام الزواج ، ولها حق المساواة في التمتع بالأهلية القانونية في ما يتعلق بالامتلاك والتصرف ، وفضلاً عن ذلك ، فان للمرأة الحق في ميراث الوالدين والزوج والأقربين ، وتختلف الدول في قسمة الميراث فان الدول التي تعتمد القوانين المدنية تساوي بين الجنسين في القسمة ، ومثال ذلك غالبية الدول الغربية ، أما الدولة التي تعتمد على الشريعة الإسلامية فانها تختلف عن الدول الغربية ، وعادة هذه الدول تضع القوانين الخاصة بالأحوال الشخصية وفقاً للأحكام الشرعية وبالتالي فان نصيب الذكر من ذلك يختلف عن نصيب المرأة { يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ فَإِن كُنَّ نِسَاء فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِن كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِن كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِن لَّمْ يَكُن لَّهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ السُّدُسُ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ آبَآؤُكُمْ وَأَبناؤُكُمْ لاَ تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً فَرِيضَةً مِّنَ اللّهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيما حَكِيماً{*} وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِن لَّمْ يَكُن لَّهُنَّ وَلَدٌ فَإِن كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِن لَّمْ يَكُن لَّكُمْ وَلَدٌ فَإِن كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُم مِّن بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَإِن كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلاَلَةً أَو امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ فَإِن كَانُوَاْ أَكْثَرَ مِن ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاء فِي الثُّلُثِ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَآرٍّ وَصِيَّةً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ{*}([xiii]) .
        لقد عملت المنظمات الدولية ولا تزال تعمل على تثقيف المجتمعات وحثها على إزالة الفوارق والتمييز المصطنع بين الذكر والأنثى ، وكانت خاتمة جهودها إصدار الوثيقة الخاصة بالقضاء على التمييز ضد المرأة في 18 كانون الأول 1979 والمتكونة من (30) مادة أكدت على منح المرأة جميع الحقوق التي يتمتع بها الرجل دون تمييز ، كما أكدت على ضرورة تقبل المجتمعات لمبدأ المساواة بين الجنسين ، وتثقيف المجتمعات ، واتخاذ التدابير اللازمة الكفيلة بضمان تحقيق المساواة عن طريق وضع القوانين الخاصة بذلك وتثبيت حقوق المرأة في الدساتير([xiv]) .
نظرة عامة حول حقوق المرأة
        إن جميع المجتمعات تؤمن وتقر بالدور الكبير الذي تلعبه المرأة في المجتمع ، والمجتمع غالبا ما يقر بان للمرأة حقوق من الواجب تأمينها ، لكن الأمم تختلف حول مسألة مساواة الرجل بالمرأة ودخولها جميع ميادين الحياة بما في ذلك ميدان السياسة ، فلا تزال بعض المجتمعات لا تسمح للمرأة بأن تزاول العمل خارج إطار البيت ، وينظر فيها للمرأة بأنها خلقت فقط للمتعة والإنجاب وتربية الأطفال والعمل في الأمور المنزلية ليس إلا ، في حين أن بعض المجتمعات الأخرى تسمح للمرأة بالعمل في جميع المجالات أسوة بالرجل ، كما هو الحال في المجتمعات الغربية .
        فالمرأة في اغلب المجتمعات الشرقية لا تزال محرومة من حقوقها ، فان رب الأسرة في اغلب الأحوال هو المتحكم بمصير المرأة وهي لا تزال تعيش في أجواء القبيلة ، ولاسيما في ما يتعلق بمسألة الزواج ، حيث أن المرأة لا تمتلك حق اختيار الزوج ، فضلاً عن عدم نيل حقوقها أسوة بالرجل في مجالات أخرى مثل التعليم وقيادة السيارات والسفر ، وكذلك الموضوع الأكثر سخونة على طاولة المناقشات حول حقوق المرأة مسألة تعدد الزوجات ، خاصة في ضل عدم مراعاة الشروط الواجب توفرها في مثل هذه الحالة ، وكذلك الحال فيما يخص مسالة الميراث التي عادة المجتمعات تغض الطرف عن حقوقها بحجة إنها على ذمة رجل آخر وهو المسؤول عن توفير جميع مستلزمات الحياة ، وليس لها الحق في مال أبيها أو أقاربها ، علما ان الشرائع والقوانين قد كفلت لها هذا الحق رغم الاختلاف في القسمة التي تصيبها موازنة بالذكر .
        أما في المجال السياسي ، وعلى الرغم من التطور الهائل في هذا الجانب خاصة في الدول الغربية ، أو الدول التي تتبنى النظام الديمقراطي ، إلا أن المرأة لا تزال تعاني عدم  تحقق أهدافها وأهداف المجتمع الدولي في المساواة السياسية ، وهذا يعود إلى سببين جوهريين ، أولهما : إن المرأة قد تأخرت كثيراً في نيل حقوقها في مجال التعليم الذي يعد الأساس في التقدم في جميع المجالات بما في ذلك المجال السياسي ، والثاني : إن المجتمعات كانت ذكورية ، وكان لسلطة الأب الدور الفاعل في تحجيم دور المرأة في المجتمع ، ففي بعض الدول لا تزال المرأة محرومة من المشاركة في تولي المناصب القيادية أو المشاركة في الانتخابات سواء في الترشيح أو التصويت ، ويبدو أن مشاركة المرأة في الانتخابات ببعض الدول تكاد تكون هامشية وليس لها أي تأثير ايجابي ، إذ أن صوتها يجب أن لا يخالف صوت عائلتها ، أي إنها قد حرمت من ممارسة هذا الحق بحرية ، ومن هذه الدول على سبيل المثال العراق وجميع الدول التي يغلب عليها الطابع القبلي ، وبعضها الآخر لا يمتلك هذا الحق بتاتاً ومثال ذلك ، المملكة العربية السعودية ( وقد أجرى الملك عبد الله في 14 شباط 2009 بعض التغيرات في المناصب القيادية في البلاد ، وقد عينت امرأة في منصب نائب وزير التعليم لشؤون البنات في المملكة ، وهذا الإجراء هو الأول من نوعه في تاريخ المملكة)([xv]) ، ولحد يومنا هذا لا تسمح السلطات في المملكة للمرأة قيادة السيارات ، علماً أن في بعض الدول الأخرى التي تجيز قوانينها ذلك ، فالمجتمع نفسه لا ينظر بارتياح إلى هذه المسألة وهي نادرة إلى حد ما ، وفي المجالات الأخرى أيضاً فأن المرأة لم تنل حقوقها بعد ، فمثلاً نسبة مشاركة المرأة في السلطة القضائية ضئيلة جداً ، وفي بعض الدول خاصة تلك التي تعتمد الشريعة الإسلامية ، لا توجد مساواة في تبني شهادة المرأة (شهادة امرأتين = شهادة رجل واحد) ، ولهذه أسبابها حسب الفقه الشرعي . هذا ناهيك عن العنف الذي يمارس ضدها والذي يأخذ أشكال متعددة منها نفسي وجسدي .
        ويبدو أن التراكمات الاجتماعية بما فيها الموروث العرفي والشرعي ، قد ترك أثراً كبيراً في مسيرة المجتمعات ، إذ لا تزال هناك معاناة كبيرة للمرأة في ظلها ، وهي أسيرة ذلك الموروث الذي مفعوله أقوى حتى من قوة القوانين المدنية والشرعية في آن واحد ، وعلى سبيل المثال لا الحصر مسألة الزواج التي نوهنا عنها في موضوع حق تكوين الأسرة ، وكذلك حرية العمل ، والمساواة وغيرها ، وأمام كل هذه الخروقات ، وتأكيداً على تحقيق العدالة الاجتماعية وتطبيق القوانين الدولية الخاصة بالمرأة ، بادر المجتمع الدولي إلى إصدار وثيقة قانونية لمنع العنف ضد المرأة في 17 كانون الأول 1999 ، أملاً في وضع حد لهذه الممارسات اللاانسانية ضد المرأة([xvi]) .


[i])) الشيخ نبيل العوضي ، قصص الأنبياء ، تسجيل MP3 .
[ii])) القرآن الكريم : سورة الروم ، الآية (21) .
[iii])) القرآن الكريم : سورة الذاريات ، الآية (49) .
[iv])) القرآن الكريم : سورة السجدة ، الآية (8) .
[v])) القرآن الكريم : سورة النساء ، الآية (1) .
[vi])) ول ديورانت ، قصة الفلسفة من أفلاطون إلى جون ديوي ، منشورات مكتبة المعارف (بيروت ، 2004) ، ص 67 .
[vii])) حول هذه الظاهرة المنتشرة في اليمن والمعاناة التي تمر بها الفتيات ينظر : تقرير خاص على شبكة قناة الآن الفضائية بتاريخ 28/9/2009 ، الساعة التاسعة .
[viii])) للتفاصيل عن حقوق المرأة في المجتمع البابلي بشكل خاص والعراقي القديم بشكل عام ، ينظر : سهيل قاشا ، المرأة في شريعة حمورابي ، منشورات مكتبة بسام (الموصل ، د.ت) .
[ix])) مناع ، المصدر السابق ، ص 217-219 .
[x])) موسوعة الحديث النبوي الشريف ، رواه  ابن ماجة .
[xi])) كريستين أيه لونارديني ، حقوق المرأة : مسائل اجتماعية في سلسلة التاريخ الاميركي ، ترجمة أسعد ابو لبدة ، دار البشير (عمان ، 2004) ، ص 154-157 .
[xii]))  المصدر نفسه ، ص 159-162 .
[xiii])) القرآن الكريم : سورة النساء ، الآية (10-12) .
[xiv])) جه ند دؤكيؤميتيكى نيودة ولة تى لة بارةى مافةكانى مرؤثةوة ، بةرطي يةكةم ، وةرطيرانى قادر وريا (هةولير ، 2006) ، ل 58-81 .
[xv])) شبكة قناة الإخبارية الفضائية (سعودية) ، نشرة الأخبار ، 14/شباط/2009 ، الساعة الثامنة .
[xvi])) جه ند دؤكيؤميتيكى نيودة ولة تى لة بارةى مافةكانى مرؤثةوة ، سةرظاوةى ثيشوو ، ل141-150 .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق