الدكتور نبيل المظفري facebook

لصق الكود

الأحد، 5 يونيو 2011

حقوق الاطفال

حقوق الطفل
       يعد الطفل المقوم الأساسي لبناء المجتمعات ، إذ يعد بمثابة النواة لها ، فكلما تم إعداده بشكل صحيح ، كلما كان دوره ايجابياً في المجتمع ، ومن هنا يبرز أهمية تربيته وتوفير الجو المناسب له والاهتمام الكافي به ومنحه حقوقه .
    وعلى الرغم من عدم وجود تعريف خاص بالطفل في القواميس العالمية ، لكن يمكن القول: إن الطفل هو الإنسان الذي يعيش في مرحلة معينة من العمر لا يستطيع أن يلبي احتياجاته بنفسه دون رعاية خاصة من الآخرين في كثير من النواحي . والإنسان في مراحل حياته الأولى بحاجة ماسة إلى تقديم العون الكافي وتوفير مناخ مناسب له ، حتى يمكنه من التعرف على محيطه بشكل جيد ، والتعامل معه على أسس صحيحة  ، وهنا يعد الإنسان قاصراً ، وتختلف الاحتياجات حسب المراحل العمرية ، بالنسبة إلى القاصر ، ويمكن تقسيمها على أربعة مراحل : الصغير : 1-7 سنوات . الولد : 8- 12 سنة . المراهق : 12- 15 سنة . الفتى : 15- 18 سنة ، ويعد الإنسان بالغاً إذا وصل إلى (18) من عمره ، والطفل في تلك المراحل تختلف احتياجاته من مرحلة إلى أخرى ، ويظهر إن المشرعين قد أخذوا بنظر الاعتبار هذه الفئات العمرية  وكيفية التعامل معها ، والجدير بالذكر انه لا يمكن تطبيق هذه التقسيمات على جميع مناطق العالم ، وذلك لاختلاف الظروف البيئية والمناخية التي تؤثر في جوانب معينة من تركيبة الإنسان . مع أن المجتمع الدولي عد كل إنسان لم يتجاوز عمره (18) سنة طفلاً ، فقد ورد في المادة في المادة الأولى من اتفاقية حقوق الطفل الموقعة من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة في 20 تشرين الثاني 1989 . "لأغراض هذه الاتفاقية ، يعني الطفل كل إنسان لم يتجاوز الثامنة عشرة ، ما لم يبلغ سن الرشد قبل ذلك بموجب القانون المنطبق عليه"([i]).
    يشكل الطفل النواة لتكوين الأسرة التي بدورها تعد الأساس لتكوين المجتمع ، فقد اثبت علماء النفس والتربية مدى تأثير الطفولة على الشباب والكهولة ، وعلى المجتمع بشكل عام ، وهذا يؤكد الأهمية الكبرى للطفولة وأثرها في بناء المجتمعات ، لذا فقد أكدت المواثيق الدولية على الاهتمام بالطفل ورعايته رعاية خاصة ومنحه الأفضل ، فقد أكدت وثيقة حقوق الطفل لسنة 1959، على ذلك بالقول (( إن على الجنس البشري أن يمنح الطفل خير ما عنده))([ii]).
     ومن اجل طفولة سليمة ، يفترض أن تكون بدايته صحيحة ، بدءاً من ارتباط الزوج بالزوجة ، والواجب يدعو إلى إجراء فحوصات مختبرية قبل الزواج لضمان سلامة الأطفال في المستقبل وتقليل نسبة الأمراض التي تؤدي إلى عوق الطفل أو إصابته بعاهة خلقية وغير ذلك نتيجة للإهمال المتعمد أو الإغفال . كما أنه في أثناء فترة الحمل يجب على الزوجين الاهتمام بالجنين بشكل خاص من خلال مراجعة المراكز الصحية بصورة دورية لمعرفة وضع الجنين ، وكذلك اخذ المرأة للقاحات المحددة أثناء الحمل ، وان تعتني المرأة بغذائها خلال فترة الحمل لغرض نمو الجنين بشكل جيد ، فضلا عن عدم إجهاد نفسها في أعمال شاقة لا تتناسب مع وضعها خلال فترة العشرة الأسابيع التي تقع خلالها عملية الولادة ، وفي ذلك أيضاً حق للمرأة .
     لقد كان لمعاناة المجتمعات العالمية اثر كبير في العمل على إيجاد منظمات دولية تعمل من أجل السلم والأمن ورفع المستوى المعيشي للإنسان ، إذ الحربين العالميتين كانتا بمثابة الكارثة التي حلت على الإنسانية ، فعلى مستوى الطفولة والأمومة كانت نتائجهما مأساوية ، فقد أصبحت آلاف مؤلفة من النساء أرامل ومن الأطفال أيتاماً ، وترتب عنهما أوضاع اجتماعية مأساوية ، أجبرت النساء والأطفال على العمل في مجالات لا تتناسب مع البنية الجسمانية لهما ، وكل هذا كان مدعاة لإصدار وثائق خاصة تعنى بحقوق الطفل والأم .
    إن الوثيقة العالمية لحقوق الإنسان الصادرة في كانون الأول 1948 ، أعطت أهمية كبيرة للأمومة والطفولة ، فقد جاء في الفقرة الثانية من المادة (25) من الوثيقة (( للأمومة والطفولة الحق في مساعدة ورعاية خاصتين . وينعم كل الأطفال بنفس الحماية الاجتماعية سواء كانت ولادتهم ناتجة عن رباط شرعي أم بطريقة غير شرعية )) ، والفقرة الأولى  من المادة نفسها أكدت على بعض الحقوق الأخرى للطفل ضمن حقوق الأسرة ،  وفضلاً عن ذلك فقد أكدت المادة (26) على أحقية كل شخص في التعليم على أن يكون التعليم الأولي إلزامياً ، وعلى قدم المساواة للجميع .
      ونظراً لما يتمتع الطفل من عناية خاصة لدى المجتمع الدولي ، فقد صدرت عن الجمعية العمومية للأمم المتحدة وثيقة خاصة عرفت بـ (وثيقة إعلان حقوق الطفل) في 20 كانون الأول 1959 ، وتتألف من مقدمة وعشرة مبادئ استنادا لما جاء في وثيقة حقوق الطفل لسنة 1924  ووثيقة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان . وقد دعت الوثيقة الأفراد والهيئات والحكومات إلى الاعتراف بحقوق الطفل وإيجاد الأنظمة والتدابير الكفيلة بتأمين حقوق الطفل وحمايته دون أي تمييز بسبب العنصر أو الدين أو اللون ، وقد جاء في مقدمة تلك الحقوق أن (( يعرف الطفل باسم معين وبجنسية معينة )) ، وان توفر له في جو من الحنان تنشئة موسومة بالحرية والكرامة ، وتغذية كافية وعناية طبية ووسائل رياضية وترفيه وتثقيف ، وكما أكدت الوثيقة أيضاً على توفير رعاية خاصة وتأمين حياة مثلى للطفل المصاب بعجز أو عاهة ، كما نصت على حماية الطفل من القسوة ومن الاستغلال والمتاجرة ، ومنع استخدامه في العمل قبل سن مناسبة أو في أعمال مرهقة عائقة لنموه أو تعليمه والعمل على وقايته من كل ما يبث في نفسه روح التمييز العنصري أو الديني([iii]).
      واستكمالاً للجهود الدولية المبذولة في مجال حماية الطفل وحقوقه ، فقد أصدرت المنظمات الدولية عدة قرارات ووثائق خاصة بحقوق الطفل ، اتخذت بعضها صفة الإلزام بالنسبة للدول التي وقعت عليها لتطبيقها على الصعيد الوطني ، وتناولت المبادئ الاجتماعية والقانونية الأساسية لحقوق الطفل وحمايتها ورعايتها . من هذه القرارات : الإعلان الخاص بشأن حماية النساء والأطفال أثناء الطوارئ والمنازعات المسلحة ، وحمل الإعلان الرقم (3318) في 14 كانون الأول 1975 ، والقواعد الخاصة بإدارة شؤون قضاء الأحداث المعروفة بـ (قواعد بكين) ذي الرقم (40/33) في 29 تشرين الثاني 1985 ، وقرار الجمعية العامة ذي الرقم (41/85) في 3 كانون الأول 1986([iv]) ، والاهم من كل تلك الوثائق ، الاتفاقية التي عرفت بـ (اتفاقية حقوق الطفل) التي أقرتها الجمعية العامة واعتمدتها في 20 تشرين الثاني 1989 ، وتتضمن ديباجة و (54) مادة مقسمة على ثلاثة أجزاء وخاتمة ، وجاءت صفة الإلزام في المادة الثانية ، إذ نصت على أن "الدول الأطراف في هذه الاتفاقية تضمن الحقوق الموضحة في هذه الاتفاقية لكل طفل يخضع لولايتها دون أي نوع من أنواع التمييز ، بغض النظر عن عنصر الطفل أو والديه أو الأوصياء الشرعيين عليه أو لونهم أو جنسهم أو لغتهم أو دينهم أو رأيهم السياسي أو غيره ..." ، وأكدت المواد الأخرى على أصالة حق الطفل في الحياة وتكفل الدول بذلك وبنموه ، وللطفل الحق في التسجيل بعد ولادته ، والحق في اسم واكتساب جنسية ما والحفاظ على هويته والسكن الملائم وحنان والديه والاهتمام بتعليمه وتربيته وتوفير مستلزماتهما ، وصقل مواهبه والعناية باحتياجاته ونتاجاته الفكرية والثقافية وغيرها([v]) .
     لم يكن عمل المنظمة الدولية مقتصراً فقط على إصدار الوثائق الخاصة بحقوق الإنسان بشكل عام ، وحقوق الطفل والمرأة بشكل خاص ، بل أسست عدة منظمات دولية سواء تلك التابعة من هيئة الأمم المتحدة أو تحت إشرافها أو بدعم منها ، وتأتي في مقدمة تلك المنظمات منظمة اليونسيف التي تعنى بالأمومة والطفولة وتعمل على مراقبة حقوق المرأة والطفل وتقديم العون المناسب لهما من خلال جهودها في مختلف مجالات ولاسيما في مجال الـرعاية الصحية ، وكذلك منظمة اليونسكو التي تهتم بالتربية والتعليم وتعمل في القضاء على الأمية وتوفير فرص التعليم للأطفال في جميع أنحاء العالم ، فضلاً عن تقديم الدعم المباشر لذلك الغرض ، وهناك منظمات ومؤسسات أُخر تساهم بصورة غير مباشرة في خدمة الطفولة مثل المنظمة الاقتصادية والاجتماعية التي تعمل على تقديم العون الاقتصادي والاجتماعي وتقليل الفوارق بين المجتمعات .
    وفي ضوء ما تقدم ، تبين هناك جملة من الحقوق الواجب على الإنسان والهيئات والحكومات منحها للطفل وأكدت جميع الشرائع والوثائق العالمية والقوانين على حاجة الطفل إلى عناية خاصة ، والمجتمعات وان اختلفت في عاداتها وتقاليدها وأعرافها وشرائعها ، إلا أنها تجمع على ان الطفل مخلوق بحاجة إلى العطف والحنان والرعاية الخاصة ، لاسيما ان الطفل منذ ان يرى النور يبدأ بالتعرف على محيطه لان ذاكرته لا تزال عبارة عن سجل أبيض لم يسطر فيه شيء ، فالمحيط الذي ينشأ فيه سيؤثر على تكوينه الفكري والجسدي فتعريفه بالأشياء وتعليمه بشكل حضاري والإجابة على أسئلته بشكل صحيح ودقيق فضلاً عن تصحيح أخطائه وإعطائه توضيحاً كافياً عن الخطأ وأثره ، وكذلك توفير الغذاء المناسب له والعناية الصحية الجيدة ، سيكون لها أثرها الواضح في نموه الفكري والعقلي والجسدي مستقبلا ، وكلما كانت العناية جيدة كان أثره في المجتمع ايجابياً ، فالطفل كالبذرة التي تزرعها كلما كانت العناية بها أفضل كانت ثمرتها أفضل وأوفر .
    ان الطفل بحاجة إلى فسحة من الحرية لاختيار حاجاته لان ذلك يعزز لديه الثقة بالنفس ، خاصة وان أصحاب الاختصاص في مجال علم النفس والنمو لا يحددون سناً معينة لاكتساب الطفل مهارة اتخاذ القرار ، إنما هي فطرة طبيعية تنشأ معه وتتطور مع نموه دون إدراك ، فإلى جانب حاجته إلى توضيح المسائل الحياتية والعطف والحنان الواجب ان يعيش الطفل في أجوائها ، فهو أيضاً بحاجة ماسة إلى إعطائه فرصة من الحرية لاتخاذ قراراته بنفسه ، حتى تتولد لديه الثقة بالنفس واختيار مستقبله ، وهذا يتناغم مع الحديث النبوي الشريف (( لاطفه سبعاً ، ثم صاحبه سبعاً ، ثم اترك له الحبل على الغارب )) ([vi]) .
        وقد بين الشرع الإسلامي حقوق الطفل في عدة جوانب في ضوء ما كان يعانيه الطفل في المجتمع الجاهلي ، فمثلاً مسألة الإجهاض كانت منتشرة وكذلك كان الآباء يعمدون إلى قتل بناتهم بحجة إنها تجلب العار لأبيها ، فكانت ظاهرة وأد البنات منتشرة في الجاهلية ، وقد أنكر الإسلام ذلك وعدها جرائم يحاسب عليها ، إذ قال تعالى  {وَإِذَا الْمَوْؤُودَةُ سُئِلَتْ* بِأَيِّ ذَنبٍ قُتِلَت}([vii]) ، وقد ذهب الإسلام إلى ابعد من ذلك عندما حرم القصاص من المرأة الحامل المذنبة حتى تضع مولودها ، وترعاه لحولين كاملين ، لان القصاص سيؤثر على الجنين وذلك ليس من اجل المرأة طبعاً ، بل من اجل الوليد الذي بحاجة إلى رعاية الأم الخاصة على الأقل خلال فترة الرضاعة .
أما القوانين فقد أنصفت الأطفال في كيفية التعامل معهم بالشكل الذي يتناسب مع سيكولوجية الطفل ، فلا يجوز سجن الطفل خلال السبع السنوات الأولى أياً كانت جريمته لأنه لا يعي آثار جريمته ، ويبدو أن ذلك ينسجم تماما مع الحديث الشريف ((رفع القلم عن ثلاثةٍ: عن النائم حتى يستيقظ، وعن المبتلى حتى يبرأ، وعن الصَّبيِّ حتى يكبر))([viii]). أما بالنسبة للأحداث الذين هم بين 7 – 15 من العمر ، فهناك إجراءات حماية وتدابير تأديب تتخذ بحقهم ، من خلال وضعهم في إصلاحية أو معهد تأديبي ، ولا يجوز بأي حال من الأحوال وضعهم في سجن عام ، أو لغرض معاقبة الطفل ، وإنما يجب أن يوضع في سجن خاص بالأحداث والغرض منه إصلاح الطفل ، حتى يستطيع أن يمارس حياته فيما بعد بصورة طبيعية .


[i])) مناع ، المصدر السابق ، ص 587 .
[ii])) لحود ومغيزل ، المصدر السابق ، ص 53 .
[iii])) المصدر نفسه ، ص 52-53 .
[iv])) مناع ، المصدر السابق ، ص 586-587 .
[v])) للوقوف على مواد الاتفاقية . ينظر : المصدر نفسه ، ص 587-605 .
[vi])) قناة زاكروس الفضائية (عراقية) ، برنامج المجتمع والشريعة ، برنامج اسبوعي ، الثلاثاء السابعة مساءً.
[vii])) القرآن الكريم ، سورة التكوير ، الآية (8-9) .
[viii])) موسوعة الحديث النبوي الشريف ، فهرس أبو داود ، كتاب الحدود .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق