الدكتور نبيل المظفري facebook

لصق الكود

الاثنين، 5 ديسمبر 2011

حق الانسان في الرأي والمعتقد والتعبير


لقد فضل الله سبحانه وتعالى آدم وذريته على المخلوقات الأخرى وميزهم عن سائر خلقه بالعقل واللسان ، ليفكروا ويعبروا عن آرائهم وأفكارهم ، لذا فان لكل شخص حق في التفكير والاعتقاد والتعبير عنها بالشكل الذي يراه مناسباً ، دونما تدخل من احد أو مصادرة هذا الحق من قبل الأشخاص أو المؤسسات أو الحكومات ، طالما ان أفكاره لا تخرج عن الحدود العامة التي تقرها الشرائع والقوانين ، ولا تلحق ضرراً بالمصلحة العامة ، أو على حساب حقوق الآخرين .
        إن حريات الرأي والمعتقد والتعبير حق وضرورات في عين الوقت ، إذ أنها تهيأ الفرص المناسبة في خلق مقومات التطور في المجتمع ، وإخراجه من حالة متردية إلى حالة أفضل ، وذلك بالتخلص من القيود التي تكبله والتي تفرضها عادة السلطات والمؤسسات بل حتى الأفراد أحياناً ، لان التفكير والحوار والتعبير يؤدي إلى الخروج بأطروحات جديدة لتغيير واقع المجتمعات ويساهم في التطور الحضاري في مختلف المجالات ، ومن الممكن اعتبار هذه الحقوق من الأمور الشرعية إلى حد بعيد ، وهناك شواهد وأدلة كثيرة في هذا المجال ، كما في قوله تعالى {قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُم بِوَاحِدَةٍ أَن تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُم مِّن جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَّكُم بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ }([i]) ، كما أن التفكير والرأي وطرحه يؤدي إلى تقويض سلطة الحاكم والحكومات التي لا تؤدي واجباتها بما يخدم المصلحة العامة ، وإعادتهم إلى رشدهم وتنوير الرأي العام بالسياسات الخاطئة لها وعلى المستويات كافة ، فقد سئل الرسول (صلى الله عليه وسلم) ، عن أفضل الجهاد عند الله قال (( كلمة حق عند سلطان جائر))([ii]).
        لقد وقف المجتمع الدولي عند هذه الحقوق وبينها بشيء من التفصيل وبشكل خاص في لائحة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وكذلك في وثيقتي العهدين الدوليين الصادرين في سنة 1966 ، فقد خصصت الوثيقة الأولى مادتين حول هذه الحقوق هما (18) و (19) ، إذ نصت المادة (18) على أن ((لكل شخص الحق في حرية التفكير والضمير والدين ، ويشمل هذا الحق حرية تغيير ديانته أو عقيدته ، وحرية الإعراب عنهما بالتعليم والممارسة وإقامة الشعائر ومراعاتها سواء أكان ذلك سراً أم مع الجماعة )) ، في حين أكدت المادة (19) على ان ((لكل شخص الحق في حرية الرأي والتعبير ، ويشمل هذا الحق حرية اعتناق الآراء دون أي تدخل، أو استقاء الأنباء والأفكار وتلقيها وإذاعتها بأية وسيلة كانت دون تقيد بالحدود الجغرافية )) ، وهنا تأكيد واضح على حق إقامة المؤسسات الإعلامية من الصحف والإذاعات والقنوات التلفزيونية الأرضية والفضائية والانترنت وغيرها من وسائل نشر الأفكار المختلفة داخل الحدود الجغرافية للبلاد وخارجها ، ولا يجوز للسلطات أو الأفراد منع الإنسان من ممارسة هذا الحق ، وهنا لا بد من القول بان على الدولة ان تصدر قوانين خاصة بالمطبوعات والإعلام بالشكل الذي لا يقيد الحريات الواردة في أعلاه .
        ومن هنا يتبين إن للإنسان الحق الكامل في الإيمان بالآراء والأفكار والعـقائد واعتناقها ، ونشرها وبثها كما يريد ومتى يشاء وممارستها في العلانية والسر ، كما له الحق في تغييرها في أي وقت يشاء دون أن يناله بسبب ذلك أي أذى أو إزعاج أو انتقاص من الحقوق كالمضايقة أو الإكراه على التنازل والتخلي عن ذلك الفكر والاعتقاد أو المنع أو الحجز أو التعذيب أو الإبعاد أو النفي أو الإعدام وغيرها ، وقد جاء تأكيد هذه الحقوق في المواد (17و18و19) من وثيقة العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية ، مضيفة عليها بإلزام الدول بصيانة تلك الحقوق لكل شخص ، إذا لم تكن تهدد الأمن الوطني أو النظام والمصلحة العامة أو الصحة والأخلاق ، وان لم تكن تسيء إلى سمعة الآخرين دون وجه حق .
        وعلى الرغم من أن جميع الأديان السماوية منها وغير السماوية تقر بوجود أديان مختلفة في العالم بغض النظر عن أحقية أي منها بالاعتقاد والالتزام ، فإنها تختلف عن القوانين المدنية في كيفية معالجة هذه الحقوق ، بل ان القوانين المدنية نفسها تختلف من دولة إلى أخرى في كيفية ممارسة هذه الحقوق ، إذ ان من حيث المبدأ فان القوانين المدنية تجيز للفرد تغير دينه أو التخلي عنه وعدم اعتناق أي دين أو التحول من دين إلى آخر متى يشاء استنادا إلى لائحة حقوق الإنسان ، في حين ان الأديان لا تجيز لمعتنقيها ترك الدين أو  التحول إلى دين آخر ، علما أنها تعترف بحرية الاعتقاد كما ورد في الآية الكريمة  {لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ}([iii]) وكذلك الاعتراف بوجود أديان مختلفة {لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ }([iv]) ،فالمسلم مثلاً لا يجوز أن يغير دينه أي كانت الأسباب ، وفي حالة حدوث ذلك ، فانه يعد مرتداً ، والمرتد مهدور دمه ، كما ورد في الحديث النبوي ((من بدل دينه فاقتلوه))([v]) ، أما بالنسبة إلى الأديان الأخرى فعلى اقل تقدير إن الذي يغير دينه يحرم من بعض الحقوق الارثية كما هو الحال بالنسبة إلى المسيحيين. ويبدو إن البشر بحاجة لتجاوز جميع القيود الدينية وغيرها والحدود الجغرافية والوصول إلى حالة الإنسانية التي تقبل بالجميع بأديانهم وأفكارهم وعاداتهم وثقافاتهم ، وليس غريباً أن يدعو عدد من الرموز التاريخية إلى مثل تلك الحالة ، فها هو الفيلسوف والمتصوف محي الدين ابن عربي (1165-1243) يقول:
لقد كنت قبل اليوم أنكر صاحبي
لقد صار قلبي قابلاً كل صورة
وبيـت لأوثان وكعبة طـائف
أدين بدين الحب أنى توجـهت


إذا لم يكن ديـني إلى دينه دان
فمرعى لغـزلان ودير لرهبان
وألواح تـوراة ومصحف قرآن
ركائبه فالحب ديني وإيماني


وفي المجتمعات المدنية ، نجد على الرغم من تمتع الفرد بالحرية الكاملة في مسألة الاعتناق والمعتقد ، إلا أن ممارسة الفرائض الدينية وبعض الطقوس محرمة حتى في أكثر الدول ديمقراطية ، فمثلاً ان ارتداء الحجاب في الدوائر الرسمية في فرنسا ممنوع ، وفي تركيا أيضاً فان المحجبات لا يسمح لهن بدخول المدارس والجامعات ، أما في بعض الدول الإسلامية ، فان بعض الشعائر الدينية الذي يقيمها أتباع المذهب ألاثني عشري (المذهب الجعفري) ، مثل عاشوراء وأربعينية الإمام الحسين (عليه السلام) يمنع إقامتها كما هو الحال على سبيل المثال لا الحصر في المملكة العربية السعودية ، وفي بعض الدول الأخرى يتعرضون إلى مضايقات عند ممارستهم لتلك الشعائر ، وتصل إلى حد التهديد من قبل بعض الجماعات وليست السلطات كما هو الحال مثلاً في باكستان وبنغلادش .


[i])) القرآن الكريم ، سورة سبأ ، الآية (46) .
[ii])) حديث رواه الترمذي والنسائي .
[iii])) القرآن الكريم ، سورة البقرة ، الآية (256) .
[iv])) القرآن الكريم ، سورة الكافرون ، الآية (6) .
[v])) موسوعة الحديث النبوي الشريف ، سنن ابن ماجة ، كتاب الحدود .