الدكتور نبيل المظفري facebook

لصق الكود

الجمعة، 21 أكتوبر 2011

نهاية القذافي: نهاية شخص أم نهاية للطغاة


يعد يوم 21 تشرين الأول 2011 يوما تاريخياً بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، ليس لليبيين فقط، بل لكل دعاة الحرية والنظام المدني، لماذا ؟، لان القذافي الذي تسلم الحكم منذ أيلول (سبتمبر) 1969 وحتى 21 تشرين الأول 2011 . حكم ليبيا حكما دكتاتوريا ومارس كل انواع القهر ضد شعبه وأخذ يرى نفسه فوق كل المعايير والمقاييس. فهو عميد القادة العرب وملك ملوك إفريقيا والزعيم وغيرها من الألقاب والصفات التي أطلقها على نفسه أو أطلقها الآخرون عليه تملقا ورياءً . فبعد عقدين ونيف من الحكم المنفرد لابد أن الطفل الليبي الذي ولد وكان قائده العقيد وشاب وقائده العقيد ولربما يغادر الحياة وقائده العقيد. كان لابد أن يفكر ولو لوهلة بالتغيير لابد له أن يرى رئيسا آخر يقود البلاد نحو المدنية والديمقراطية. وهذه حالة طبيعية عند البشر، فهو بالفطرة يحب التغيير والتجدد، ولكن القادة العرب ومن ورائهم بعض من القادة الأجانب من أميركا الوسطى وإفريقيا كانوا بعيدين جداً في تفكيرهم من أن نهاية مؤلمة تنتظرهم وعائلاتهم. إذ دأبوا خلال سنوات حكمهم الطوال في بناء قوات أمنية خاصة وجيوش على أسس غير مهنية بل جيش لا يؤمن بحكم غير حكمهم ولا ولاء له سوى الولاء له ولحزبه وهذا كان حال الرئيس العراقي واليمني والليبي والسوري والتونسي والسوداني وحتى المصري إذ استثنينا الجيش من تلك القوات. ولم يكتفِ هؤلاء بتهيئة ظروف الحكم لأنفسهم فحسب، بل إن كل واحد من هؤلاء اخذ يدرب أبنائه ويهيأ لهم الظروف المناسبة لاستلام الحكم من بعده .
إن من الواضح إن أحلام القادة العرب لم تتحقق ولن تتحقق. إذ افشل الربيع العربي مبتغاهم في توريث الأنظمة الجمهورية لأبنائهم. فقد بدأت هذه الأنظمة تنهار واحدا بعد آخر. بعد أن أشعل محمد البوعزيزي ثورة قلبت حسابات كل القادة العرب رأساً على عقب. وخير ما فعل صاحب أقوى نظام امني عربي واقصد هنا زين العابدين بن علي رئيس الجمهورية التونسية. ان افلت بجلده بعد الثورة الشعبية التي امتدت من مدينة بوزيد إلى معظم المدن التونسية الأخرى. وقد جنب بذلك بلاده صراعا دمويا لربما كان يكلف تونس كثيرا من الأرواح والأموال. كما انه أيضاً قد حفظ ماء وجهه وحياته في الوقت نفسه. إذ كان من الممكن ان يلقى المصير الذي لقيه القذافي وأبنائه. أو حتى مصير الرئيس المصري حسني مبارك الذي لا يسر صديق، لأنه تأخر كثيرا في تقديم تنازله عن الحكم على الرغم من المناشدات والدعوات من الداخل والخارج، ويبدو ان هؤلاء القادة لم يفهموا الشعار الذي رفعه المتظاهرون في جميع الدول العربية الثائرة ((ارحل.ارحل.ارحل)). وان فعلوا ورحلوا لما ووصلوا إلى هذا المصير، ويبدو ان بشار الأسد وعلي عبدالله صالح، لم يدركا بعد خطورة إصرارهما على البقاء في السلطة، وتمسكهما الشديد بكرسيها. وليس ببعيد ان يلقيا مصير القذافي، لاسيما ان جميع القادة قالوا الكلام نفسه، أي ان ظروف مصر تختلف عن تونس وليبيا تختلف عن تونس ومصر، واليمن تختلف عن تونس ومصر وليبيا، وسوريا تختلف عن جميع الدول التي حدثت فيها الثورات، ومن المفيد ان نذكر هنا ان تجربة العراق كانت عبرة لهؤلاء ولكنهم لم يعتبروا، بحجة ان سقوط الرئيس العراقي صدام حسين ونظامه البعثي في نيسان 2003 الذي جثم على صدر الشعب العراقي (35) عاما، كان اثر احتلال أجنبي وبالتالي هم بمنأى عن ذلك المصير، واستمروا في العمل من اجل البقاء في الحكم ومن بعدهم لأبنائهم. وليكن كذلك ولكن ثورة الشعب أقوى من أية دبابة أجنبية أو طائرة بدون طيار أو طائرة أباتشي أو صاروخ توما هوك وغيرها من الأسلحة الغربية الفتاكة، فثورة الشعب كالتسونامي الذي يجرف أمامه كل ما ثقل حمله أو خف، فمتى يعتبر هؤلاء؟.
إن مقتل القذافي –اللهم لا شماتة- وكذلك ابنيه خميس والمعتصم في يوم واحد ولا زال مصير سيف الإسلام مجهولاً حتى كتابة هذه الأسطر، وتشرد من تبقى من عائلته في البلاد الأجنبية كالنيجر والجزائر وغيرهما. فهل يا ترى سيدرك صالح والأسد ما حصل للقذافي وعائلته وزبانيته فيرحلا حتى لا يواجهان المصير ذاته؟. ومن المفيد القول هنا ان الشعارات التي أخذ الثوار يرفعونها ويرددونها منذ مقتل القذافي في كلا البلدين تعد رسالة واضحة لهما. فقد زاد الحِراك الشعبي في البلدين، بل ان الحادثة زادت الجرأة لدى الثوار في سوريا ومنحتهم القوة، وانه مهما طال بهم الوقت فان نهاية الاسد وصالح ستأتي يوماً. إذ شهدنا لأول مرة الشبان السوريون يتعرضون لدبابات الجيش السوري بالحجارة ويقطعون الطرقات على العربات العسكرية دون خوف أو وجل وكذلك الحال في اليمن، ومن البديهي ان يقف الأسد وصالح ولو للحظة ليفكروا بمصيرهم بعد ان فقدوا صديقهم القذافي، ولاسيما الأسد الذي قدم العون والدعم اللوجستي للنظام الليبي خلال محنته حسب وكالات الإعلام، ولعلنا نستطيع ان نقدم دليلاً في هذا الجانب، إذ أن القناة الفضائية الوحيدة التي تدعم القذافي ونظامه بعد سيطرة الثوار على طرابلس هي قناة الرأي لصاحبها مشعان الجبوري كانت تذاع من سوريا وهي التي تنقل خطابات الزعيم الليبي خلال فترة اختبائه وتنقله من مكان إلى آخر أو لربما من سرداب إلى آخر. ومن الملفت ان هؤلاء القادة الذين يدعون المقاومة والجهاد وأي كانت التسميات يعيشون الأيام الأخيرة من حياتهم في السراديب والحفر. وهذا الذي حدث مع القذافي الذي عاش في السراديب منذ انطلاقة الثورة في 17 فبراير (شباط) وكان يظهر بين الحين والآخر ليتنفس الهواء ويشحذ همم رجاله الذين كان يقول بأنهم يعدون بالملايين الذين سيزحفون على المدن التي حررها الثوار من قبل، وما أن يسمع أزيز الطائرات أو صوت إطلاق نار حتى كان يزحف هو نحو سردابه أو حفرته. ومن الجدير بالإشارة ان القذافي طالما وصف معارضيه بالجرذان التي تختبئ في الحفر وانه وجماعته سيلاحقونهم زنقة زنقة ودار دار وحفرة حفرة، إلا انه في النهاية كان مصيره ان ينتقل بين مدينة وأخرى وبيت وآخر وزنقة وأخرى، وفي نهاية المطاف تم إلقاء القبض عليه في حفرة أو بالأحرى مجرىً للماء، ثم قتله . والسؤال المهم هنا هل تعد نهاية القذافي نهاية للطغاة؟. يبدو إنها كذلك فإذا لم يستجب الأسد وصالح للنداء الأخير من قبل الشعبين السوري واليمني ويرحلا بما بقي لهما من ماء الوجه والنفوذ، أو أن يتحضرا للقاء قريب مع شعبهما كلقاء ثوار ليبيا بالقذافي.

الجمعة، 7 أكتوبر 2011

حقوق الانسان السياسية


       كانت الإنسانية في نضال دءوب _ولا تزال_ من اجل نيل الإنسان حقوقه في جميع المجالات ، وبشكل خاص في المجال السياسي ، منذ أن كانت المجتمعات القديمة تحكم وفقاً لنظرية الحكم الإلهي (نظرية الحكم المطلق) ، على اعتبار أن الحاكم هو الإله ، وبالتالي فان أحكامه وقراراته تعد قطعية لا مجال لمناقشتها أو الاعتراض عليها ، وكانت المجتمعات في تلك العصور مقسمة إلى عدة طبقات مثل طبقة النبلاء أو الأشراف أو اللوردات وطبقة رجال الدين والطبقة العامة التي كانت تشمل غالبية السكان وتضم بشكل عام العمال والفلاحين والحرفيين ، وكذلك طبقة العبيد ، وهي الطبقة التي كانت محرومة من جميع حقوقها سواء على الصعيد الاقتصادي أو الاجتماعي أو السياسي ، فقد كانت حريتها مصادرة ولا يمتلك حتى حقوق المواطنة ، ولم يكن الحال يختلف كثيراً لدى الطبقة العامة ، ففي المجال السياسي وفي الوقت الذي كانت هذه الطبقة تتحمل أعباء خزينة الدولة والدفاع عنها ، عن طريق دفع الضرائب والعمل في الحقول الزراعية والصناعات المختلفة والدفع بأبنائها إلى ساحات الحروب ، كانت حقوقها السياسية مصادرة ، فقد كانت السلطة تتمركز في طبقة النبلاء ورجال الدين ، ولم تكن الفرصة متاحة أمام هذه الطبقة للمشاركة في إدارة البلاد وصناعة القرار فيها ، لذا فان نضال الإنسان قديماً كان من اجل نيل حريته من القيود الاجتماعية والاقتصادية المفروضة عليه .
       أخذ مفهوم المشاركة السياسية يتطور رويداً رويداً في العصور القديمة بعد الحرمان الذي عاشته المجتمعات في العصور القديمة ، عن طريق ظهور الدعوات إلى الديمقراطية والنضال من اجل التحرر من النير الأجنبي وسلطة الحكام الفردية ، ففي المجتمع الإغريقي ومن ثم اليوناني ظهر مفهوم الديمقراطية وتطور ، وعلى الرغم من عدم تداول مصطلح الديمقراطية في الحضارات الأخرى قديماً ، إلا أن مظاهر الديمقراطية لم تكن غائبة عنها مثل حضارة بلاد الرافدين ، إذ ظهرت المجالس الخاصة بالإدارة والحكم ، كما الحال في دويلات المدن السومرية ، ثم تطورت أنظمة الحكم شيئاً فشيئاً ، وتم إقامة مجالس تمثيلية تعبر عن إرادة الجماهير ، وان اختلفت طرق إقامتها عما هو عليه الحال الآن ، وقد أسهمت الشرائع الدينية في تطور أنظمة الحكم والمشاركة السياسية ، خاصة إن جوهرها قائم على أساس تحقيق العدل والمساواة والحرية وطاعة أولي الأمر والحرية في إبداء الرأي والحوار حول المسائل المختلفة ، والشورى خير تعبير عن إرادة الناس ، وقد أكده القرآن الكريم في أكثر من موقع {وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُون} ، كما ان الشورى والحوار يؤديان إلى دوام الحكم والطاعة وقوة السلطان وتحقيق العدل المنشود {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ} سورة آل عمران ، الآية (159) .
       وقد أكد الرسول (صلى الله عليه وسلم) ، على مسألة الشورى ، ودورها في بناء مجتمع قائم على العدالة ، واتخاذ القرارات الصحيحة في عدة أحاديث نبوية ، منها (( ما تشاور قوم قط إلا هدوا لأرشد أمرهم)) ، وكذلك ((ما ندم من استشار ولا خاب من استخار)) ، وأكد أيضاً أن المشورة تسهل على الإنسان أمره (( ما شقي عبد بمشورة ، وما سعد باستغناء رأي)) ، وكان الرسول (صلى الله عليه وسلم) يشاور أصحابه وأهل الرأي في اشد أمور حساسية وخطورة ويأخذ برأيهم ، ومثال ذلك يوم معركة بدر عندما نزل الرسول (صلى الله عليه وسلم)  بقواته في مكان بالقرب من الآبار ، فجاء الحباب بن المنذر إلى الرسول (صلى الله عليه وسلم)  مقترحاً تغير المكان بالقول " يا رسول الله أرأيت هذا المنزل ، أمنزلاً أنزلك الله ليس لنا أن نتقدمه ، ولا نتأخر عنه ، أم هو الرأي والحرب والمكيدة ؟ قال : بل هو الرأي والحرب والمكيدة ، فقال يا رسول الله ليس هذا بمنزل ، فانهض بالناس حتى تأتي أدنى ماء من القوم ، فننزله ، ثم نغور ما وراءه من القلب –الآبار- ثم نبني عليه حوضاً فنملؤه ماء ، ثم نقاتل القوم ، فنشرب ولا يشربون ، فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : لقد أشرت بالرأي" ، فوافق الرسول (صلى الله عليه وسلم)  على خطته ، وقام المسلمين بغور الآبار ، وكان لهذه الخطة من الناحية العسكرية اثر كبير في انتصار المسلمين في تلك المعركة .
       وفي ظل تطور الوعي السياسي والاجتماعي ، شهد العالم حركات جماهيرية من اجل المشاركة السياسية وضمان حقوق الفرد وتقييد سلطة الحكام ، فكان ولادة أول دستور في العالم في سنة 1215 في بريطانيا عرف بالعهد العظيم (الماكناكارتا) ، وتطورت الديمقراطية بشكل اكبر في القرنين الأخيرين مع حدوث الثورات القومية وظهور دول قومية وإقامة أنظمة حكم جديدة فيها مثل النظام الجمهوري وظهور البرلمانات الحديثة التي تجاوزت الأنظمة البرلمانية القديمة التي كانت قائمة على أساس التمثيل الطبقي ، مثال ذلك مجلس اللوردات ومجلس العموم في بريطانيا وطبقة النبلاء والطبقة العامة في فرنسا ، فالمشاركة في السلطة بصورة مباشرة أو غير مباشرة ، وسن الدساتير وتشريع القوانين التي تكفل حقوق المواطن السياسية ، وقد أتاحت تلك التطورات الفرص أمام الجميع لإدارة البلاد ، بعد القضاء على جميع مظاهر التمييز بسبب الجنس أو العنصر أو الدين أو اللغة أو المنزلة الاجتماعية ، إذ صدرت العشرات من المواثيق والاتفاقيات الدولية التي تعالج هذه المسائل ، مثل الاتفاقية الخاصة بمنع الرق لسنة 1926 والبروتوكول الخاص بالرق في سنة 1953 ، والاتفاقية التكميلية لسنة 1956 ، والاتفاقية الدولية لقمع جريمة الفصل العنصرية والمعاقبة عليها لسنة 1973 ، والاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري لسنة 1965 ، والاتفاقية الخاصة حول الحقوق السياسية للمرأة لسنة 1952 وغيرها .
       وقد تناولت لائحة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لسنة 1948 حقوق الإنسان السياسية في المادتين (20) و(21) ، وقد تم تأكيد تلك الحقوق في وثيقة العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية لسنة 1966 ، وقد أوضحت الأخيرة بشكل تفصيلي ماهية الحقوق السياسية للإنسان وكيفية تأمينها له وقد ألزمت الوثيقة الدول الموقعة عليها بالالتزام بالعهد ، وإتاحة الفرص أمام الجميع للمشاركة في إدارة الدولة بصورة مباشرة أو عن طريق ممثلين عنه ، واهم الحقوق السياسية هي :
حق تقرير المصير وتكوين الدولة
       عانت الشعوب كثيراً وعلى مر العصور في العالم من مآسي كثيرة بسبب الاضطهاد الداخلي والاحتلال الخارجي ، فعلى الصعيد الداخلي ، لم يكن الشعب يمتلك إرادة سياسية في السلطة والإدارة ، والحكم الديكتاتوري هو السمة البارزة لأنظمة الحكم في إنحاء مختلفة من العالم ، في حين خضعت شعوب أخرى للاحتلال الأجنبي ، وبقيت تحت الاحتلال لفترات طويلة عانت من آثارها وبعضها لا يزال يعاني ، وقد سطرت الشعوب بطولات ونضال طويل ضد القوى المحلية التي كانت تسلب الشعب إرادته ، وكذلك ضد المحتل الأجنبي ، إذ دخلت في معارك طويلة و ثورات مستمرة ونضال لم يتوقف ، وقد كلفت الشعوب ذلك تضحيات بشرية وموارد اقتصادية هائلة ، أملا في التحرر وإقامة نظام سياسي يضمن للجميع المشاركة في الحكم ، أو بناء كيان سياسي خاص به بعيد عن السيطرة الأجنبية ، والحرية في رسم سياسة البلاد وإدارة ثرواتها الطبيعية .
       إن النضال الطويل للشعوب ، والمآسي التي عانت منها ، قاد المجتمع الدولي وقادته إلى تبني فكرة تقرير المصير للشعوب ، وقد أصبحت الفكرة أكثر وضوحاً وإلحاحا خلال الحرب العالمية الثانية (1939-1945) ، ففي الإعلان المعروف بالتصريح الأطلنطي الذي صدر على اثر الاجتماع الذي عقد بين الرئيس الأميركي فرانكلين روزفلت ورئيس وزراء بريطانيا ونستون تشرشل في 14 آب 1941 ، تم طرح قضية تقرير المصير للشعوب التي لم تنل استقلالها ، وقد تم اعتماد مبدأ تقرير المصير في إعلان الأمم المتحدة الصادر في 1 كانون الثاني 1942 ، واقر في أول مادة من ميثاق هيئة الأمم المتحدة الذي وقع في سان فرانسيسكو في الولايات المتحدة الأميركية سنة 1945 ، واعتبر من الأهداف الأساسية التي سوف يسعى المجتمع الدولي لتحقيقه ، وتطبيقاً لهذا المبدأ ، فقد أصدرت الجمعية العمومية لهيئة الأمم المتحدة في 14 كانون الأول 1960 إعلان منح الاستقلال للبلدان والشعوب المستعمرة ، وتم تشكيل لجنة خاصة في الأمم المتحدة سنة 1961 لتصفية الاستعمار ، وشجعت الشعوب الخاضعة للاستعمار على التحرر وبشتى الوسائل ، وأجازت استخدام القوة للوصول إلى حق تقرير المصير .
       أكدت المادة الأولى من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية على حق الشعوب في نيل استقلالها وتقرير مصيرها ، واستناد لهذا الحق لأي شعب الحق في أن يقرر بحرية إقامة كيان سياسي له وان يواصل بحرية نموه الاقتصادي والاجتماعي والثقافي ، وان يتصرف بحرية بموارده وثروته ، وأكدت المادة أيضاً على التعاون الدولي في تحقيق هذا الهدف السـامي .
       نال عدد كبير من الشعوب على حقوقها في تقرير المصير ، بجهودها الذاتية من خلال رفض الاستعمار والنضال العسكري والسياسي ، وبعضها الآخر بالتعاون مع المجتمع الدولي مثل ناميبيا في سنة 1990 ، ولم يبق اليوم سوى عدد قليل من الشعوب التي لم تستطع ان تقرر مصيرها على الرغم من النضال الدءوب لها وبمختلف الأشكال ، نتيجة للظروف الداخلية والخارجية بما في ذلك الظروف الاقتصادية والاجتماعية والتاريخية التي أصبحت عائقا أمامها في تحقيق أمنيتها في الاستقلال والتحرر مثل الشعب الفلسطيني والكوردي والشيشاني والكشميري والايرلندي وغيرها ، فبدأت تبحث عن البدائل للاستقلال وإقامة كيان سياسي خاص بها ، كما انه وعلى الرغم من ان اغلب الأمم قد نالت استقلالها ، إلا أن بعضها لازالت تعاني من التسلط الداخلي والحكم الفردي الذي لا يتيح الفرصة أمام الشعب في المشاركة في إدارة البلاد ولا يقل تأثيره عن الاحتلال الأجنبي .
حق المشاركة في الميدان السياسي
       يعد الشعب مصدر السلطات ، والحاكم يجب أن ينال رضى المحكومين لإضفاء الشرعية على حكمه ، والمواطنين هم سواسية في الحقوق والواجبات ، ويجب تحقيق العدالة في جميع مفاصل الحياة في الدولة فالمواطن باعتباره اللبنة الأساسية في قيام المجتمع ، له الحق في إدارة البلاد بصورة مباشرة أو غير مباشرة ، ومن هذا المنطلق ، فقد عالجت لائحة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لسنة 1948 الحقوق السياسية للفرد في المادة (21) ، وجاء فيها :
1- لكل فرد الحق في الاشتراك في إدارة الشؤون العامة لبلاده أما مباشرة وأما بواسطة ممثلين يختارون اختياراً حراً .
2-   لكل شخص نفس الحق الذي لغيره في تقلد الوظائف العامة في البلاد .
3- إن إرادة الشعب هي مصدر سلطة الحكومة ، ويعبر عن هذه الإرادة بانتخابات نزيهة دورية تجري على أساس الاقتراع السري وعلى قدم المساواة بين الجميع أو حسب أي إجراء مماثل يضمن حرية التصويت .
إن الوسيلة الناجعة للمشاركة في السلطة وإدارة البلاد هي الانتخابات الحرة والنزيهة ، والتي أصبحت ظاهرة صحية في المجتمعات المتقدمة ، إذ أن من حق الإنسان أن يرشح نفسه للوظائف العليا في الدولة وفقاً للقوانين التي يجب أن توضع على أساس المواطنة الصالحة ، فان نيل المرشح ثقة الجماهير يعطيه الشرعية الكاملة للحكم ، ويحكم باسمها .
       تتوقف الانتخابات على مبدأي الترشيح والتصويت ، وفي كل دولة في العالم هناك قوانين خاصة بها ، ولا يجوز منع الأشخاص من الترشيح ، إذ كان الشخص متوفر فيه الشروط القانونية للترشيح ، ولا يجوز تحت أي ظرف إبعاد بعض الأشخاص أو حرمانهم من هذا الحق لأسباب سياسية ، وفي العادة ان قوانين الترشيح تؤكد على مسألة العمر وعدم ارتكاب الشخص المرشح لجريمة جنائية أو مخلة بالشرف ، أو محكوماً بجريمة غير سياسـية ، وكونه من مواطني البلاد حسب قوانين الأحوال الشخصية ، وكذلك الحال بالنسبة للناخب ، ويجب ان يتوفر فيه الشروط القانونية ، فيما يخص العمر والمواطنة ، ويجوز هنا للمحكومين والمحجوزين في المشاركة في عملية التصويت ، والاهم من هذا كله في عملية التصويت هو ان يكون الناخب حراً في انتخاب الشخص الذي يجده مناسباً لتمثيله والنيابة عنه في إدارة البلاد وصناعة القرار وسن القوانين ، إذ ان الانتخابات الحرة النزيهة ، أصبحت الوسيلة لترجمة الشعب حقوقه في اختيار الممثلين عنه في الحكم ، وهي المقدمة الأساسية لحرية الشعوب وحكم نفسها بنفسها وضمان عدم وجود أنظمة حكم استبدادية تهدد الأمن والسلام في الداخل والخارج ، حيث ان الشعوب قد مرت بتجارب مريرة جديدة بسبب الأنظمة الشمولية ودخلت في حروب عالمية وإقليمية دون إرادتها ، وانقلابات داخلية واغتيالات سياسية .
       أصبحت الانتخابات اليوم تؤدي دورا مهما في الحياة السياسية للشعوب ، وتختصر عليها الطريق في اختيار الحكام ، وتجنبها الدخول في مشاكل تهدد الأمن والنظام ، وتحافظ على الموارد الاقتصادية في البلاد ، إذ كانت الشعوب قديماً بحاجة إلى القيام بالثورات والانقلابات والاغتيالات من اجل تغيير الحكام المفسدين والإداريين المتسلطين ، وكلها كانت تكلف البلاد التضحيات البشرية الكبيرة هدر أموالها والإخلال بالأمن والسلام فيها ، فالنظام الديمقراطي يجنب الشعوب تلك المشاكل والمآسي ، وقد عبر عن ذلك الباحث الاجتماعي العراقي الدكتور علي الوردي بالقول " قلنا ونعيد القول هنا : إن الديمقراطية ليست إلا (ثورة بيضاء) حيث يبدل الشعب حكامه بواسطة الانتخاب حيناً بعد حين . والشعوب الآن تستخدم أوراق التصويت لعين الغرض الذي كان تستخدم السيوف من اجله قديما" .
تأسيس الأحزاب والتجمعات السياسية
       إن تكوين الأحزاب والجمعيات تعد من الأنشطة المهمة في توجيه المجتمع سياسياً واقتصادياً واجتماعياً ، ويعد وجودها من المظاهر الصحية ، طالما تلتزم بالحدود القانونية ولا تلحق ضرراً بالمصلحة العامة للجماهير ، وتعمل على خدمة المجتمع ، من خلال العمل على تقديم الأفضل للمواطن ، وحث الحكومة والضغط عليها لتبني مشاريع تخدم المجتمع ، كما ان الأحزاب من شأنها ان تكون جهة رقابية في متابعة أعمال الحكومة ، وتنوير الجماهير بما يجري في البلاد ، وتعرية سياسات الحكومة على الصعيد الداخلي والخارجي .
       عملت اغلب دول العالم على وضع قوانين خاصة بإجازة الأحزاب والجمعيات ، تماشياً مع قوانين البلاد ودستورها ، ويؤدي هذا الإجراء إلى وضع أعمال الأحزاب والجمعيات في الإطار القانوني ، وبالتالي سوف لن تخرج عن إطار المصلحة العليا للبلاد من جهة ، ومصلحة المجتمع من جهة أخرى ، إلا ان من المؤسف في بعض البلدان ، توضع قيوداً وقوانين صارمة على تأسيس الأحزاب والجمعيات وأعمالها ، وعادة توضع القوانين فيها بما ينسجم وأهداف الأنظمة الحاكمة ، الأمر الذي يؤدي إلى عدم ظهور أحزاب فعالة على الساحة ، وفي أحيان كثيرة ، تقود هذه المسألة إلى تشكيل أحزاب وجمعيات سرية لها برامج وطنية تخدم المواطن والبلاد وتدافع عن حقوق شرائح وطوائف مختلفة من المجتمع ، من خلال نشاطها السري ، مثل توزيع المنشورات ، والتحريض على إقامة التظاهرات ، وإصدار صحف سرية ، وفتح قنوات إذاعية سرية ، وفي أحيان كثيرة تقود هذه الأحزاب والجمعيات حركات مسلحة من اجل نيل جماهيرها حقوقها ، وغيرها من الوسائل .
       لقد كفل لائحة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لسنة 1948 ، هذا الحق في المادة (20) ، فقد جاء فيها ، ان لكل فرد الحق في حرية الاشتراك في الجمعيات والجماعات السلمية ، كما لا يجوز إرغام أي شخص على الانضمام إلى أي حزب أو جمعية ما ، وأضافت وثيقة العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية لسنة 1966 ، بأنه لا يجوز وضع القيود على هذا الحق من قبل الحكومات ، طالما يتماشى مع مصالح الأمن الوطني والسلامة العامة والنظام العام ويحفظ حقوق الآخرين ، ويظهر من خلال ما ورد في هاتين اللائحتين ، إنهما قد وضعتا من قبل الجهات الرسمية ( أي حكومات الدول) ولهذا أكدت على مسألة الأحزاب والجمعيات السلمية ، ولم تأخذ بنظر الاعتبار ان الأحزاب التي تحمل السلاح ، قد تكون هي الأخرى تدافع عن مصلحة المجتمع من خلال مقاومة الأنظمة الشمولية التي لا تلبي رغبات وحقوق الشعب أو فئات منه .

التظاهر 
       يعد حق التظاهر والتجمع السلمي من أوجه الممارسة الفعلية لحرية الفكر والرأي والتعبير ، فأن التقاء الأفراد بصورة تلقائية أو وفق أسلوب منظم مسبقاً للتعبير عن اتجاه معين أو إظهار موقف ما أو الاحتفال بمناسبة ما من حق كل فرد ، وقد يكون التجمع لأسباب سياسية أو غير ذلك ، إذ أن المشاركة في هذه الممارسات حق لكل إنسان ، كما ان من حقه أيضاً عدم المشاركة ، ولا يجوز إرغام الأشخاص على المشاركة في مثل هذه الممارسات ، فمثلاً ، إذا دعت السلطات إلى اجتماع ما لأمر سياسي أو ما شابه ذلك ، فان من حق الأفراد قبول المشاركة فيه أو رفضها ، ويجب ان لا يترتب على عدم مشاركته أية عقوبات أو اهانة أو مضايقة من قبل السلطة .
       تقدم الأحزاب والتجمعات السلمية وكذلك الحكومات والتيارات المختلفة ، على إقامة اجتماعات أو تظاهرات في المناسبات الوطنية والقومية والدولية وذلك بدعوة الأشخاص والجماهير إلى المشاركة فيها ، وتقام عادة تلك المناسبات إما في القاعات أو في الساحات العامة أو من خلال السير في الشوارع ، ويجري خلال المناسبة ترديد الهتافات والشعارات وإلقاء الخطب حسب المناسبة ، وتدخل هذه الممارسات ضمن حقوق الفرد في التعبير وحقه في التجمع ، وتهدف عادة إلى إيصال صوت المتواجدين ومؤيديهم إلى الجهات المسؤولة أو تنوير الرأي العام في مسألة معينة مثل التنديد بسياسات الحكومة أو الدعوة إلى الإصلاح أو تغيير الحكام والمفسدين أو المشاركة في الإدارة ، أو الاحتفال بمناسبة وطنية كيوم الاستقلال أو اليوم الوطني للدولة ، أو قومية كالأعياد القومية ، أو دولية ، مثل عيد العمال العالمي (1 أيار) أو يوم المرأة العالمي (8 شباط) ، أو مناسبات دينية مثل أعياد الميلاد (25كانون الأول-1كانون الثاني) والمولد النبوي (12 ربيع الأول) ، أو إقامة بعض الشعائر وغيرها .
       أكدت القوانين الدولية على هذا الحق على أن يراعى القوانين في ممارسة هذا الحق ، حفاظاً على السلم والأمن الوطنيين ، كما ورد في المادة (21) من وثيقة العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية لسنة 1966 ، وقد شهدت العالم الكثير من التظاهرات والمناسبات بعضها خرج عن إطار القانون ، وكانت تطالب بالإصلاح السياسي مثل التظاهرات التي تقام بين الحين ولآخر في مصر من قبل حركة إخوان المسلمين وحركة كفاية وحزب الغد ، وأخرى تطالب بتغيير نظام الحكم كما حدثت في النيبال إذ دعا المتظاهرين إلى إنهاء الحكم الملكي وإقامة النظام الجمهوري ، وأخرى تطالب بحق تقرير المصير ومثال ذلك ما حدث في كوسوفو ، وأدت بعضها إلى صدامات دموية أسفرت عن قتل الآلاف من المتظاهرين والمحتفلين ، مثل ما حدث في باكستان والهند والنيبال والعراق وفلسطين ومصر وغيرها .