الدكتور نبيل المظفري facebook

لصق الكود

الثلاثاء، 29 أغسطس 2017

تاريخية الحق الكوردي في تقرير المصير

تاريخية الحق الكوردي في تقرير المصير
إن الخوض في القضية الكوردية يتطلب مؤلفات عدة نتيجة لعراقة هذا الشعب وأصالته في منطقته الجغرافية ولما لهذه القضية من محطات تاريخية كثيرة، وتضحيات جمة في سبيل نيل حريته وتأسيس كيانه، إلا اننا نحاول من خلال هذه المقالة بيان حق الكورد والكوردستانين في تقرير مصيرهم عن طريق الاستفتاء المقرر إجراؤه في 25 أيلول 2017.
        من المعلوم ان الدول الكبرى كانت لها مصالح مهمة في منطقة الشرق الأوسط، حتى قبل اندلاع الحرب العالمية الأولى (1914-1918)، وجاءت هذه الحرب لتوفر فرصة سانحة لتحقيق كل ما كانت تصبوا إليها تلك الدول. فالدولة العثمانية المريضة كانت محط أنظارها. ودخول الدولة العثمانية الحرب إلى جانب ألمانيا وحليفاتها في تلك الحرب (1914-1918) وخسارتها للحرب أفقدتها مناطق واسعة من أراضيها ، وتقسيم تلك الممتلكات ما بين الدول المنتصرة مزقت شعوب المنطقة وغيرت جغرافيتها حسب مصالحها، ولعل أكثر الشعوب تضرراً هو الشعب الكوردي. إذ أن الدول المنتصرة قد قسمت ممتلكات الدولة العثمانية بينها بموجب اتفاقيات سرية وكانت أشهرها اتفاقية سايكس ــ بيكو لسنة 1916، وبالتالي أصبح الكورد موزعين بين نفوذ أربع دول هي كل من الدولة العثمانية وفرنسا وبريطانيا وإيران.
        وبعد انتهاء الحرب العالمية الأولى في سنة 1918، عملت الدول المنتصرة على فرض معاهدات على الدول الخاسرة وكانت معاهدة سيفر لسنة 1920 إحداها، وفرضت على الدولة العثمانية، وقد جاء فيها حق الكورد في تقرير المصير إذا ما أرادوا ذلك، ولم يتم استغلال تلك الفرصة التاريخية بسبب الرؤى المختلفة وموقف الكورد غير الموحد حيال قضيتهم، وما أن تمكن الأتراك من أخذ زمام الأمور حتى تنصلوا عن كل الحقوق المشروعة للكورد، فجاءت معاهدة لوزان سنة 1923 لتقضي على آمال الكورد في إقامة دولة قومية خاصة بهم.
        لم يكن هناك دولة باسم العراق قبل سنة 1921، بل كانت ولايات تابعة للدولة العثمانية، واستطاعت بريطانيا إبان الحرب العالمية الأولى من السيطرة على تلك الولايات التي تشكلت منها دولة العراق فيما بعد. وقد أجرى الانكليز في سنة 1918 استفتاءً شكليا لتحديد معالم الحكم الوطني في البلاد، وتأسست الدولة العراقية في سنة 1921، وقد ضمت هذه الدولة ولاية الموصل التي تقطنها أغلبية كوردية، وتم تسوية الخلافات العراقية التركية (مشكلة الموصل) في أروقة عصبة الأمم، وقد أكدت جميع اللجان التي زارت المنطقة للوقوف على رغبة السكان بضرورة مراعاة حقوق القوميات المختلفة وإدارة المنطقة من قبل أبنائها. لكن الحكومات العراقية لم تلتزم بالقوانين الدولية ولم تمنح حقوق تلك الشعوب، وكان ذلك سبباً في العديد من الانتفاضات الكوردية وكانت بعضها موجهة ضد الانكليز وبعضها الآخر ضد الحكومات العراقية أو الاثنين معاً.
        إن المتتبع للقضية الكوردية لاسيما في العراق، يجد ان الحكومات العراقية تلجأ إلى المفاوضات مع الكورد عندما يكون موقفها ضعيفاً، وما أن تقوى شوكتها حتى تضرب كل الاتفاقيات والتفاهمات عرض الحائط ليعود الكورد مرة أخرى إلى المقاومة المسلحة وهذا ما حدث في الثلاثينيات والأربعينيات وكذلك مع كل انقلاب أو ثورة مثال ذلك ما حدث في سنة 1958، ثم انقلبت الحكومة على الكورد في سنة 1961، وكذلك الحال في سنوات 1963 و1968 و1975 و1991، والمعلوم ان القوى السياسية العراقية المعارضة قبل سنة 2003، في جميع مؤتمراتها كانت تؤكد على حق الشعب الكوردي في تقرير المصير. لذا فإن تجربة الكورد مع العراق تجربة مليئة بالدروس التي من شأنها أن تدفع بالشعب إلى المطالبة بحق تقرير المصير، ولعل أسوأ هذه التجارب هي تجربتهم مع الحكومات العراقية ما بعد سنة 2007، وكيف أخذت تلك الحكومات والمؤسسة التشريعية تسعى إلى سحب البساط من تحت أقدام الكورد وتجريدهم من بعض المكتسبات التي حصلوا عليها بعد سنة 2003، ولعل من المفيد التذكير بالقوانين والامتيازات المتعلقة بقوات البيشمركة وتسليحها، التي لا تزال حبراً على ورق على الرغم من انها تعد جزءاً من منظومة الدفاع العراقي. وقانون النفط والغاز، ورواتب موظفي الإقليم والميزانية.
        إن الأحزاب السياسية العراقية المتنفذة التي كانت يوما ما لاجئة في كوردستان عملت على تعبئة الشارع العراقي بمعاداة الكورد واليوم تجد آلاف المواقع والقنوات الإعلامية موجهة ضد الكورد. وبما ان هناك تضاد قد صنعتها السياسة على صعيد القاعدة الشعبية، إذن أصبح الاستمرار صعباً للغاية لاسيما ان في المقابل يولد الطفل الكوردي وهو على أمل ان يحقق حلمه القومي في إقامة كيان خاص به، وان التضحيات التي قدمها الشعب الكوردي بعد الحرب العالمية الأولى من انتفاضة بازيان ومروراً ببارزان وانتهاءً بمقارعة تنظيم الدولة الإسلامية في هذا الزمان كلها كانت ولا تزال من اجل تحقيق هذا الحق، فالعجب كل العجب من هذه الأصوات التي تغرد خارج السرب وترى إن الوقت لم يحن بعد لإعلان الدولة الكوردية. ليس هناك وقت انسب من هذا الوقت والشعب الذي قدم كل هذه التضحيات عليه ان يدرك تماما إن الدول الأخرى لن تأتِ وتعلن قيام الدولة الكوردية نيابة عنه، أو ان الدول التي تجد ان الدولة تشكل خطراً على مصالحها سوف لن تأخذ بيد الشعب الكوردي وتقول له هاكم حقكم وأعلنوا دولتكم.
        على الشعب الكوردي ان يدرك تماما ان الشعوب التي نالت استقلالها وحريتها بتضحياتها ونضالها الدؤوب وليس عن طريق الدول الاستعمارية. وهذا يعني ان على الكورد ان لا ينتظروا من احد إعلان استقلالهم، ولا اعتقد يوما ما سيجد الكورد وقتاً انسب من هذا اليوم. والاستفتاء المقرر إجراؤه في 25 أيلول 2017، خطوة جديرة بالاهتمام سيما ان اغلب الدول تتفهم الوضع الكوردي، وأصبحت القضية الكوردية معروفة على الصعيد الرسمي والشعبي في العالم. ومدى الظلم الذي وقع على هذا الشعب.

        إن إجراء الاستفتاء لا يخالف أي قانون أو تشريع دولي أو محلي لان العراق والدول الأخرى الأعضاء في هيئة الأمم المتحدة وقعت على ميثاقها والقوانين الصادرة عنها والمعاهدات التي وقعتها تلزم الدول الموقعة عليها بتطبيقها، ويأتي دائما حق تقرير المصير في مقدمتها، إذ أشار الميثاق إلى أن حق تقرير المصير للشعوب، يعد أساس السلام العالمي وأساس حقوق الإنسان. والاستفتاء ما هو إلا إجراء دستوري وقانوني للتعبير عن حق ما بعيداً عن العنف وإسالة الدماء. والكوردي بالقدر الذي يعشق الحرية بالقدر نفسه ينشد السلام والأمن والأمان لذلك اختار الاستفتاء للحصول على حقه في تقرير المصير. ومن هذا المبدأ فان حق تقرير المصير سيكون سبباً في الأمن والاستقرار والرخاء لجميع الأطراف. ولذا فان على المواطن الكوردستاني المشاركة في الاستفتاء ايجابيا وعلى الطرف الآخر قبول الأمر لوضع نهاية لعلاقة غير ناجحة على مدى أزمنة طويلة.