الدكتور نبيل المظفري facebook

لصق الكود

السبت، 10 نوفمبر 2012

الاعلان الفرنسي لحقوق الانسان: دوافعه ومضمونه


فرنسا وإعلان حقوق الإنسان والمواطن
        كانت فرنسا تعيش في ظلام العصور الوسطى، إذ كانت غائبة عنها روح التسامح والعدالة الاجتماعية والمساواة السياسية والقضائية، فضلاً عن الفقر المدقع الذي كانت تعانيه غالبية الشعب الفرنسي، فالملوك يمارسون الحكم المطلق، والطبقات المتنفذة تهيمن على مقدرات البلاد وتمتلك الإقطاعيات والكنيسة وطبقة رجال الدين الاكليروس تتمتع بامتيازات لا حدود لها، في الوقت الذي كانت الحريات العامة لا وجود لها إلا في ضمير الأحرار ومخيلتهم لا سيطرة له ولا سلطان على مقدراته ومصيره([1]) .
        إن نظرة سريعة في الأسباب التي كانت تقف وراء قيام الثورة الفرنسية، تطلعنا على حجم المعاناة الإنسانية في فرنسا، فكلها تصب في خانة حقوق الإنسان، أي أن فقدان الإنسان لحقوقه في تلك البلاد، هو السبب الذي كان وراء تلك الثورة الجبارة التي غيرت كثيراً في الواقع السياسي والاجتماعي ليس في فرنسا فحسب، بل في أنحاء مختلفة من العالم، وبخاصة في أوربا، فالملك يحكم البلاد حكماً مطلقاً ولا مرد لقراراته ولا تحديد لسلطاته، ولعل ما قاله الملك لويس الرابع عشر (1661-1705) خير تعبير على ما كانت عليها فرنسا "الدولة هي أنا"([2])، أما البرلمان الفرنسي (مجلس الطبقات) الذي كانت جذوره تمتد إلى العصور الوسطى، لم يكن يمثل الشعب بشكل عادل، فقد كانت هناك ثلاث طبقات هي النبلاء (الأشراف) ورجال الدين (الاكليروس) والطبقة العامة التي كانت تمثل غالبية الشعب الفرنسي من الفلاحين والبرجوازية الصغيرة أي أنها تمثل حوالي (25) مليون نسمة قبيل الثورة في سنة 1789، في حين لم تكن طبقتي النبلاء ورجال الدين يمثلون إلا حوالي مليون نسمة فقط، بينما كانت تهيمنان على مقدرات البلاد، وتتمتعان بالامتيازات التقليدية التي حصلتا عليها في العصور الوسطى وعصر الإقطاع، فقد كان النبلاء يملكون أراضي واسعة يستغلونها بواسطة الفلاحين والعبيد، ولهم الحق في شغل المناصب العليا في الجيش والإدارة والقضاء دون غيرهم، كما لهم الحق في فرض ضرائب معينة على الفلاحين في اقطاعاتهم مثل حق القضاء وإجبارهم على الطحن والعصر في مصانع النبلاء، فضلاً عن الإعفاءات الضريبية والالتزامات المالية الأخرى تجاه الدولة، وكذلك الحال بالنسبة إلى طبقة رجال الدين، أما الطبقة العامة فقد كانت تتحمل أعباء الدولة كلها من دفع الضرائب والخدمة العسكرية وخدمة الأشراف والكنيسة ورجال الدين، وكانت محرومة من ابسط الحقوق الطبيعية كالحرية والمساواة أمام القانون وحق اختيار النظام السياسي الذي يلبي رغباته([3]) .

الثورة الفرنسية
        كان مجلس الطبقات يتكون من 1154 نائباً منهم (291) من طبقة رجال الدين و(285) من طبقة النبلاء، وكانت الأغلبية المطلقة من هاتين الطبقتين من المؤيدين للملك، وكان من بينهم أيضاً عدد من الشخصيات التي تقف إلى جانب الطبقة العامة في حقوقها وقراراتها من أمثال تاليران (Talleyrand) وكريكوري (Gregoire) من طبقة رجال الدين ولافييت (Le Fayette) والكونت دي نواي (De Noailles)، أما الطبقة الثالثة (العامة) كانت تتألف من (578) نائباً بينهم أشهر شخصيات فرنسا من أمثال ميرابو وروبسبيير وسييز وبالي (Bailly) ([4])، وكان لكل طبقة صوت واحد على الرغم من إن ممثلي الطبقة العامة كانوا حوالي نصف عدد مجلس الطبقات([5])، وبالتالي فان الطبقة العامة لم تكن تمتلك القوة القانونية التي تمكنها من تمرير القرارات والحد من سلطات الملك في ظل التأييد المطلق له من قبل النبلاء ورجال الدين .
        في ظل غياب دور ممثلي الشعب نتيجة للنظام السياسي وتحكم الملك وطبقتي النبلاء ورجال الدين بمقدرات البلاد في جميع النواحي، كانت الأوضاع الاقتصادية سيئة جداً في فرنسا، فخزينة فرنسا شبه خاوية منذ عهد لويس الرابع عشر بسبب حروبه المستمرة والإسراف والبذخ من قبل البلاط([6])، وعدم تنازل طبقتي النبلاء ورجال الدين عن امتيازاتها ووقوفهما بوجه الإصلاحات التي أقدم عليها كالون (Calonne) في عهد لويس السادس عشر من خلال برنامجه الإصلاحي القاضي بتساوي الفرنسيين في تحمل مصاريف الدولة بغض النظر عن مراتبهم الاجتماعية وإلغاء الحواجز الكمركية بين الأقاليم وتنشيط التجارة، فضلاً عن المجاعة التي اجتاحت البلاد سنة 1788([7]) .
        كان الشعب الفرنسي بحاجة إلى ثورة عارمة تشمل جوانب الحياة كافة للخلاص من المأساة السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي يعيشها، وقد تلقى الشعب شحنات فكرية ساهمت بشكل كبير في إثارة حماسته، فقد أيقظت دعوات وأفكار وآراء المفكرين الشارع الفرنسي ونبهته إلى الممارسات اللاانسانية واغتصاب حقوقهم واستغلال سذاجتهم ليكونوا خدماً مطيعين للملك والطبقات المتنفذة، فقد كرس فولتير (1694-1778) حياته للكفاح ضد طغيان الكهنة ورجال الدين والعمل على رفع مكانة الإنسان حتى أصابه اليأس من إصلاحهم إذ قال "لقد أوقفت نفسي دائماً على بذل جهدي المتواضع لأجعل من الناس اقل سخافة وأكثر شرفاً" وكذلك قال "لقد تعبت من هؤلاء الناس الذين يحكمون الدول من علياء قصورهم . هؤلاء المشرعون الذين يحكمون العالم ويعجزون عن حكم زوجاتهم أو عائلاتهم ... ان من المستحيل تسوية هذه المسائل كلها بتقسيم جميع الناس إلى حمقى وخدم من جهة، وحكام وأسياد من جهة أخرى"([8]) .
        لقد سبق فولتير عدد من المفكرين الذين دعوا إلى القضاء على نظام الطبقات الاجتماعية والسلطة المطلقة وتحقيق العدالة عن طريق الحرية والمساواة، فقد وجه المفكرون انتقادات لاذعة للملك، فضلاً عن التلويح بالثورة، ونرى ذلك في كتابات باسكال (Pascale) ولافونتين (Lafontain) وبرادلو (Baradlot)، ونستشهد هنا بمقولة للافونين في كتابه (تنهدات فرنسا)، ويتوضح فيها مدى استغلالهم للشعب والسلطة في سبيل مصالحهم الشخصية "ان ملوك فرنسا قد جعلوا من انفسهم بابوات مفتين واحباراً ان الملك هو كل شيء والدولة لم تعد شيئاً"، وهدد لابروبير بالثورة ما لم تصلح حال الرعية، مذكراً الملك في الوقت نفسه ما آل إليه مصير الملك الانكليزي جارلس الاول([9]) .
        كان فولتير يدعو إلى الدفاع عن حرية الفكر والعقيدة ونصرة وحماية الفرد من تعسف السلطات الدنيوية منها والدينية، بينما وقف مونتسكيو (Montesquie) (1689-1755) على الواقع الذي يعيشه الشعب الفرنسي وآلامه من خلال كتابه (الرسائل الفارسية) ودعا إلى وضع حد لتلك الأوضاع غير الطبيعية، وفي كتابه (كانديد) دافع عن الكادحين وهاجم الاسترقاق والمعاملة السيئة التي يعامل بها العبد من قبل سيده، وكان لكتابه الشهير (روح القوانين) وقع كبير على المجتمع الفرنسي، إذ أشار من خلاله إلى أهمية تحقيق العدالة والحرية في المجتمع، وأكد بان مبدأ الفصل بين السلطات هو خير ضمان للحرية والمساواة والعدالة الاجتماعية، وقد كان ثمن تلك الأفكار باهظة في ظل غياب حقوق حرية الفكر، إذ تعرض اغلب المفكرين الفرنسيين إلى الأذى والاهانة، بل إن بعضهم دفع حياته ثمناً لكتاباته وأفعاله المعارضة للسلطة ونظام الطبقات واستغلال الناس باسم الحق الإلهي والدين، ومن هؤلاء اتالرند ودي لاباز([10])، لكنها في الوقت نفسه أوجدت أرضية مناسبة لاستلهام الأفكار الثورية وأصبحت نبراسا لتحرك جماهيري وأهدافاً لابد من تحقيقها، إذ كانت بعضها دعوة صريحة للثورة، فقد بين جان جاك روسو (J.J. Rousseau) (1712-1778) في كتابه (العقد الاجتماعي) حق الشعب في الثورة، إذ نزع روسو ثوب القداسة عن الملوك، وفند شرعية نظرية الحكم الإلهي، وأكد إن الحكومات لا تعد شرعية إن لم تنل رضا الشعب، فإرادة الأمة هي مصدر القوانين والشرائع، وان السلطة عقد بين الحاكم والمحكوم، وإذا اخل الحاكم بشروط العقد، فان للشعب الحق في الخروج على سلطته، ولذلك يكون روسو أول من أباح الثورة والخروج على الحكومة([11]) .
        في ظل الأوضاع العامة المتردية في فرنسا قبيل الثورة، واشتداد الأزمة المالية والشكاوي الكثيرة التي انهالت على الملك والحكومة حول الأوضاع السيئة، فضلاً عن الأجواء المشحونة ضد السلطة جراء انتشار الأفكار الثورية في صفوف العامة وأمام تعنت النبلاء ورجال الدين في عدم التنازل عن امتيازاتهما لمعالجة الأزمة، كان لابد للملك ان يتحرك لإنقاذ البلاد، فدعا مجلس الطبقات للاجتماع بعد انقطاع دام (175) عاماً لدراسة الأوضاع ووضع الحلول لها([12])، وقد أجريت الانتخابات في نيسان 1789، واجتمع المجلس في 4 أيار من السنة نفسها، وكان مؤلفاً من (1200) عضواً نصفهم من الطبقة العامة والنصف الآخر يمثلون النبلاء ورجال الدين([13]) .
        بدأ الجو متوتراً منذ الاجتماعات الأولى للمجلس، فقد كان نواب الطبقة العامة عازمين على التخلص من قيود القوانين القديمة، وقد حمل النواب معهم عرائض وشكاوى مقدمة إلى الملك والمجلس، وكان عددها حوالي (20) ألف عريضة مقدمة من كافة طبقات الشعب، وكانت أهم تلك العرائض والشكاوى تلك التي تقدم بها ممثلي دائرة فرساي الانتخابية، كان قسم منها خاص بنظام الحكم ووراثة العرش والتشريعات القانونية وكيفية إصدار القوانين، والقسم الآخر كان يتعلق بصورة مباشرة بحقوق الإنسان، وقد كانت جميع العرائض محررة من الناخبين الفرنسيين يدعون فيها بشكل عام إلى تحقيق المطالب الأساسية للشعب الفرنسي . ونلخصها في النقاط التالية :
1-   صيانة الحريات العامة ومنع التجاوز عليها إلا بموجب القانون .
2-   إلغاء الامتيازات القديمة التي كانت تتمتع بها الفئات المتنفذة من الشعب الفرنسي .
3-   عدم فرض الضرائب دون حصول موافقة مجلس الطبقات وإلغاء نظام السخرة .
4-   توزيع الضرائب على جميع فئات الشعب بالتساوي بغض النظر عن الانتماء الطبقي للمكلفين .
5- إلغاء كل ما تبقى من الرق في الأرض والرق الشخصي، وعلى مجلس الطبقات العمل على تحرير الزنوج والرقيق في المستعمرات .
6-   منح الجنسية لكل مستوطن أجنبي مضى على إقامته ثلاث سنوات في فرنسا .
7-   الفصل بين السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية .
8-   حرية التجارة والصناعة ومجانية التعليم .
9- إدماج الطبقات الثلاثة في طبقة واحدة ويكون التصويت حسب الفرد وليس حسب الطبقة وتخصيص رواتب لرجال الدين وتحويل واردات الكنيسة إلى خزينة الدولة([14]).
وان من المفيد ذكره، إن ما جاء في تلك العرائض من شكاوى ومطالبات، أصبحت نواة الدستور الفرنسي في سنة 1791 .      
   وفي الاجتماع الذي عقده مجلس الطبقات في 6 أيار 1789، أقدمت الطبقة العامة في أول خطوة لها على تغيير اسمها إلى مجلس العموم، ثم استقروا على اسم الجمعية الوطنية في 17 حزيران، وانضم عدد من نواب طبقة رجال الدين من القساوسة الفقراء إلي الجمعية الوطنية، وطالب المجتمعون بإزالة الحواجز بين الطبقات، لكن النبلاء رفضوا ذلك وطالبوا الملك بعدم الاستجابة لذلك الطلب([15])، وفعلاً رفض طلبهم من قبل الملك، وألغى الملك أيضاً تغيير اسم الطبقة، وأمر النواب بالمغادرة، إلا أن نواب الجمعية الوطنية أبوا أن يغادروا المكان، وقال ميرابو "نحن هنا بإرادة الشعب ولن نخرج إلا على رؤوس الحراب"([16]) .
        لاحت بوادر الثورة في الأفق، عندما خرجت تظاهرات كبيرة عمت باريس، وسيطر المتظاهرون على دار بلدية باريس، ثم هاجموا حصن الباستيل الذي كان يعد رمزاً للظلم والاضطهاد في نظر الفرنسيين، وسيطروا عليه في 14 تموز 1789 فكانت الشرارة التي أشعلت الثورة في عموم فرنسا، وبدأت معاقل السلطة تسقط واحدة تلو الأخرى، وأدرك الملك خطورة الوضع، وباتت الملكية مهددة، فعمد إلى تقديم بعض التنازلات منها، أبعاد بعض الوزراء والقبول بعلم الثورة([17]) .
        اجتمعت الجمعية الوطنية في 4 آب لبحث الوسائل الكفيلة لوقف الاضطرابات، واقترح دي نواي وهو من النبلاء الميالين إلى العامة، إلغاء الحقوق الإقطاعية للنبلاء، وكما اتخذت الجمعية في الاجتماع نفسه عدة قرارات، أهمها :
1-   إلغاء جميع الحقوق الإقطاعية والقضائية للنبلاء .
2-   منع السخرة وفرض الضرائب على المطاحن والأفران .
3-   إلغاء الامتيازات الخاصة التي تتمتع بها المقاطعات والأقاليم .
4-   إلغاء الضرائب التي كانت تدفع للكنيسة .
5-   إعلان المساواة التامة بين المواطنين في الحصول على الوظائف العامة .
6-   تحقيق المساواة القضائية بين جميع الناس والمساواة في الحقوق والواجبات([18]) .

الإعلان الفرنسي لحقوق الإنسان
        لقد عول الشعب الفرنسي كثيراً على الثورة التي حملت لواء الحرية والمساواة بين أفراد المجتمع، وجاءت الإجراءات والقرارات التي اتخذتها الجمعية الوطنية ملبية تماماً لأهداف ورغبات الشعب، فقد كان الشعار الذي رفعته الثورة (الحرية،العدالة، الإخاء)، كافي لتحقيق المساواة والرفاهية للشعب، ولم يبق إلا ان تشرع الجمعية الدستور والقوانين التي تحدد حقوق المواطن وتصونها وتحميها من جور السلطة، فكانت ولادة إعلان حقوق الإنسان والمواطن في 26 آب 1789 . والذي جاء فيه :
1-   يولد الناس ويظلون أحراراً ومتساوين في الحقوق، وعليه فالامتيازات المدنية لا يمكن ان تبنى إلا على المنفعة العامة .
2- ان غاية التنظيمات السياسية والحكومات هي المحافظة على حقوق الإنسان الطبيعية، ولا يجوز المساس بها وهي الحرية والملكية والأمن ومقاومة الطغيان، وليس هناك حدود لحقوق الإنسان الطبيعية إلا تلك التي تضمن لإنسان آخر التمتع بنفس الحق، وتقر جميع الحدود وفقاً لقوانين تسن من قبل ممثلي الشعب .         
3- الأمة مصدر السيادة، ولا يجوز لأي كان أفراداً أو مجموعات من مزاولة أية سلطة ما لم تكن نابعة من الأمة أو لم تنل قبولها .
4-   الحرية والمشاركة السياسية متاحة للجميع وهي شرعية ما لم تسبب ضرراً بالآخرين.
5-   لا يجوز للقوانين ان تحرم شيئاً ما لم يكن فيه ضرر للمجتمع .
6- القانون هو التعبير عن إرادة الجماعة، وكل المواطنين لهم حق المشاركة في وضع القانون مباشرة أو عن طريق ممثليهم . وان يكون الجميع متساوين أمام القانون في الحقوق والواجبات، ولا تفضيل لشخص على آخر في تولي المناصب إلا بالكفاءة والموهبة .
7- لا يجوز اتهام احد أو القبض عليه أو اعتقاله، إلا في الأحوال التي يحددها القانون بحسب الطرق التي رسمها القانون([19]) .
مرت فرنسا خلال السنوات 1789-1791 بظروف صعبة بسبب ظهور تيارات مختلفة من حيث الميول والأفكار والأفعال، وغذتها بشكل مباشر الأندية الكثيرة التي ظهرت على الساحة منها الكوردلييه واليعاقبة والجيرونديين يدعو بعضها إلى إقامة نظام جمهوري والآخر يدعو إلى ملكية دستورية، فضلاً عن الدعم الأوربي للتيارات التقليدية المحافظة، وتأزم العلاقات الأوربية الفرنسية بشكل متسارع، ومع ان الفرنسيين استطاعوا عن طريق ممثليهم في الجمعية الوطنية من وضع دستور للبلاد جاءت مواده متطابقة إلى حد بعيد مع ما ورد في العرائض والشكاوي التي قدمها الشعب إلى مجلس الطبقات في سنة 1789، وأصبحت مصدراً للتشريعات القانونية، ولهذا فان الدستور الفرنسي جاء مطابقاً مع أماني وتطلعات الشعب الفرنسي، إذ كان ديمقراطياً ضامناً للحريات العامة، ووزعت السلطات فيه توزيعا عادلاً، وقد تم إقراره في 3 أيلول 1791([20]) .
        وهنا نورد أهم ما جاء من المبادئ التي تتعلق بحقوق الإنسان بشكل مباشر ونلخصها بالنقط التالية :
1-   السيادة مصدرها الأساس الأمة تمارسها بواسطة الهيئات المنتخبة .
2-   السلطة التشريعية يمارسها أعضاء منتخبين من قبل الشعب .
3-   مبدأ الفصل بين السلطات .
4-   تبني الدستور جميع المواد التي جاءت في وثيقة إعلان حقوق الإنسان والمواطن لسنة 1789([21]) .
لم يكن الدستور الفرنسي ليخلو من العيوب، أو على الأقل انه لم يلب أمنيات جميع الفرنسيين، بسبب مشاربهم المختلفة والتيارات المتناقضة، إلا انه استطاع إلى حد بعيد ان يضمن حقوق الإنسان من خلال بنوده، وربما المأخذ الوحيد الذي يمكن ان نجده كان في الجانب السياسي، إذ اقر بان الانتخابات تجرى على درجتين، وان الناخب العادي يجب أن يدفع ضريبة مباشرة للدولة، لذا فانه حرم الفقراء من المشاركة في الانتخابات، لعدم تمكنهم من دفع الضريبة، وبالتالي فقد حرم عدد كبير من فقراء فرنسا من الإدلاء بأصواتهم .


[1])) عبد العزيز سليمان نوار وعبد المجيد نعنعي، التاريخ المعاصر : أوروبا من الثورة الفرنسية إلى الحرب العالمية الثانية، دار النهضة العربية (القاهرة، د.ت )، ص 19 .
[2])) ظاظا، المصدر السابق، ص 58 .
[3])) نوار ونعنعي، المصدر السابق، ص 23-25 .
[4])) لويس معوض، الثورة الفرنسية، الهيئة المصرية العامة للكتاب (مصر، 1992)، ص 30 .
[5])) الادهمي، المصدر السابق، ص 7 .
[6])) عبد العزيز عبد الغني إبراهيم، محاضرات في تاريخ أوربا بين النهضة والثورة الفرنسية، منشورات ELGA (مالطا، 1997)، ص 256 .
[7])) نوار ونعنعي، المصدر السابق، ص 25-28 .
[8])) ول ديورانت، قصة الفلسفة من أفلاطون الى جون ديوي، ترجمة فتح الله محمد المشعشع، منشورات مكتبة المعارف (بيروت، 2004)، ص 189 .
[9])) ظاظا، المصدر السابق، ص 59-60 .
[10])) ظاظا، المصدر السابق، ص 60-61 .
[11])) المصدر نفسه، ص 62-63 .
[12])) نوار ونعني، المصدر السابق ن ص 29 .
[13])) معوض، المصدر السابق، ص 30 .
[14])) معوض، المصدر السابق، ص 100-105 .
[15])) المصدر نفسه، ص 32 .
[16])) المصدر نفسه، ص 37-38 .
[17])) نوار ونعنعي، المصدر السابق، ص 34 .
[18])) المصدر نفسه، ص 35 .
[19])) معوض، المصدر السابق، ص 92-93 .
[20])) نعنعي، المصدر السابق، ص 46 .
[21])) المصدر نفسه، ص 46-48 .
ا