الدكتور نبيل المظفري facebook

لصق الكود

الثلاثاء، 29 أغسطس 2017

تاريخية الحق الكوردي في تقرير المصير

تاريخية الحق الكوردي في تقرير المصير
إن الخوض في القضية الكوردية يتطلب مؤلفات عدة نتيجة لعراقة هذا الشعب وأصالته في منطقته الجغرافية ولما لهذه القضية من محطات تاريخية كثيرة، وتضحيات جمة في سبيل نيل حريته وتأسيس كيانه، إلا اننا نحاول من خلال هذه المقالة بيان حق الكورد والكوردستانين في تقرير مصيرهم عن طريق الاستفتاء المقرر إجراؤه في 25 أيلول 2017.
        من المعلوم ان الدول الكبرى كانت لها مصالح مهمة في منطقة الشرق الأوسط، حتى قبل اندلاع الحرب العالمية الأولى (1914-1918)، وجاءت هذه الحرب لتوفر فرصة سانحة لتحقيق كل ما كانت تصبوا إليها تلك الدول. فالدولة العثمانية المريضة كانت محط أنظارها. ودخول الدولة العثمانية الحرب إلى جانب ألمانيا وحليفاتها في تلك الحرب (1914-1918) وخسارتها للحرب أفقدتها مناطق واسعة من أراضيها ، وتقسيم تلك الممتلكات ما بين الدول المنتصرة مزقت شعوب المنطقة وغيرت جغرافيتها حسب مصالحها، ولعل أكثر الشعوب تضرراً هو الشعب الكوردي. إذ أن الدول المنتصرة قد قسمت ممتلكات الدولة العثمانية بينها بموجب اتفاقيات سرية وكانت أشهرها اتفاقية سايكس ــ بيكو لسنة 1916، وبالتالي أصبح الكورد موزعين بين نفوذ أربع دول هي كل من الدولة العثمانية وفرنسا وبريطانيا وإيران.
        وبعد انتهاء الحرب العالمية الأولى في سنة 1918، عملت الدول المنتصرة على فرض معاهدات على الدول الخاسرة وكانت معاهدة سيفر لسنة 1920 إحداها، وفرضت على الدولة العثمانية، وقد جاء فيها حق الكورد في تقرير المصير إذا ما أرادوا ذلك، ولم يتم استغلال تلك الفرصة التاريخية بسبب الرؤى المختلفة وموقف الكورد غير الموحد حيال قضيتهم، وما أن تمكن الأتراك من أخذ زمام الأمور حتى تنصلوا عن كل الحقوق المشروعة للكورد، فجاءت معاهدة لوزان سنة 1923 لتقضي على آمال الكورد في إقامة دولة قومية خاصة بهم.
        لم يكن هناك دولة باسم العراق قبل سنة 1921، بل كانت ولايات تابعة للدولة العثمانية، واستطاعت بريطانيا إبان الحرب العالمية الأولى من السيطرة على تلك الولايات التي تشكلت منها دولة العراق فيما بعد. وقد أجرى الانكليز في سنة 1918 استفتاءً شكليا لتحديد معالم الحكم الوطني في البلاد، وتأسست الدولة العراقية في سنة 1921، وقد ضمت هذه الدولة ولاية الموصل التي تقطنها أغلبية كوردية، وتم تسوية الخلافات العراقية التركية (مشكلة الموصل) في أروقة عصبة الأمم، وقد أكدت جميع اللجان التي زارت المنطقة للوقوف على رغبة السكان بضرورة مراعاة حقوق القوميات المختلفة وإدارة المنطقة من قبل أبنائها. لكن الحكومات العراقية لم تلتزم بالقوانين الدولية ولم تمنح حقوق تلك الشعوب، وكان ذلك سبباً في العديد من الانتفاضات الكوردية وكانت بعضها موجهة ضد الانكليز وبعضها الآخر ضد الحكومات العراقية أو الاثنين معاً.
        إن المتتبع للقضية الكوردية لاسيما في العراق، يجد ان الحكومات العراقية تلجأ إلى المفاوضات مع الكورد عندما يكون موقفها ضعيفاً، وما أن تقوى شوكتها حتى تضرب كل الاتفاقيات والتفاهمات عرض الحائط ليعود الكورد مرة أخرى إلى المقاومة المسلحة وهذا ما حدث في الثلاثينيات والأربعينيات وكذلك مع كل انقلاب أو ثورة مثال ذلك ما حدث في سنة 1958، ثم انقلبت الحكومة على الكورد في سنة 1961، وكذلك الحال في سنوات 1963 و1968 و1975 و1991، والمعلوم ان القوى السياسية العراقية المعارضة قبل سنة 2003، في جميع مؤتمراتها كانت تؤكد على حق الشعب الكوردي في تقرير المصير. لذا فإن تجربة الكورد مع العراق تجربة مليئة بالدروس التي من شأنها أن تدفع بالشعب إلى المطالبة بحق تقرير المصير، ولعل أسوأ هذه التجارب هي تجربتهم مع الحكومات العراقية ما بعد سنة 2007، وكيف أخذت تلك الحكومات والمؤسسة التشريعية تسعى إلى سحب البساط من تحت أقدام الكورد وتجريدهم من بعض المكتسبات التي حصلوا عليها بعد سنة 2003، ولعل من المفيد التذكير بالقوانين والامتيازات المتعلقة بقوات البيشمركة وتسليحها، التي لا تزال حبراً على ورق على الرغم من انها تعد جزءاً من منظومة الدفاع العراقي. وقانون النفط والغاز، ورواتب موظفي الإقليم والميزانية.
        إن الأحزاب السياسية العراقية المتنفذة التي كانت يوما ما لاجئة في كوردستان عملت على تعبئة الشارع العراقي بمعاداة الكورد واليوم تجد آلاف المواقع والقنوات الإعلامية موجهة ضد الكورد. وبما ان هناك تضاد قد صنعتها السياسة على صعيد القاعدة الشعبية، إذن أصبح الاستمرار صعباً للغاية لاسيما ان في المقابل يولد الطفل الكوردي وهو على أمل ان يحقق حلمه القومي في إقامة كيان خاص به، وان التضحيات التي قدمها الشعب الكوردي بعد الحرب العالمية الأولى من انتفاضة بازيان ومروراً ببارزان وانتهاءً بمقارعة تنظيم الدولة الإسلامية في هذا الزمان كلها كانت ولا تزال من اجل تحقيق هذا الحق، فالعجب كل العجب من هذه الأصوات التي تغرد خارج السرب وترى إن الوقت لم يحن بعد لإعلان الدولة الكوردية. ليس هناك وقت انسب من هذا الوقت والشعب الذي قدم كل هذه التضحيات عليه ان يدرك تماما إن الدول الأخرى لن تأتِ وتعلن قيام الدولة الكوردية نيابة عنه، أو ان الدول التي تجد ان الدولة تشكل خطراً على مصالحها سوف لن تأخذ بيد الشعب الكوردي وتقول له هاكم حقكم وأعلنوا دولتكم.
        على الشعب الكوردي ان يدرك تماما ان الشعوب التي نالت استقلالها وحريتها بتضحياتها ونضالها الدؤوب وليس عن طريق الدول الاستعمارية. وهذا يعني ان على الكورد ان لا ينتظروا من احد إعلان استقلالهم، ولا اعتقد يوما ما سيجد الكورد وقتاً انسب من هذا اليوم. والاستفتاء المقرر إجراؤه في 25 أيلول 2017، خطوة جديرة بالاهتمام سيما ان اغلب الدول تتفهم الوضع الكوردي، وأصبحت القضية الكوردية معروفة على الصعيد الرسمي والشعبي في العالم. ومدى الظلم الذي وقع على هذا الشعب.

        إن إجراء الاستفتاء لا يخالف أي قانون أو تشريع دولي أو محلي لان العراق والدول الأخرى الأعضاء في هيئة الأمم المتحدة وقعت على ميثاقها والقوانين الصادرة عنها والمعاهدات التي وقعتها تلزم الدول الموقعة عليها بتطبيقها، ويأتي دائما حق تقرير المصير في مقدمتها، إذ أشار الميثاق إلى أن حق تقرير المصير للشعوب، يعد أساس السلام العالمي وأساس حقوق الإنسان. والاستفتاء ما هو إلا إجراء دستوري وقانوني للتعبير عن حق ما بعيداً عن العنف وإسالة الدماء. والكوردي بالقدر الذي يعشق الحرية بالقدر نفسه ينشد السلام والأمن والأمان لذلك اختار الاستفتاء للحصول على حقه في تقرير المصير. ومن هذا المبدأ فان حق تقرير المصير سيكون سبباً في الأمن والاستقرار والرخاء لجميع الأطراف. ولذا فان على المواطن الكوردستاني المشاركة في الاستفتاء ايجابيا وعلى الطرف الآخر قبول الأمر لوضع نهاية لعلاقة غير ناجحة على مدى أزمنة طويلة.

الاثنين، 31 يوليو 2017

الارهاب يطال الكاكائية مرة أخرى

حادثة قرية علوة باشا في داقوق
        مرة أخرى يد الظلام تطال الكاكائية هذه الفئة المسالمة والتي تقف على مسافة واحدة من جميع الطوائف والاديان والمذاهب، وكذلك تحظى بمكانة طيبة لدى جميع المكونات الاجتماعية والسياسية في كل منطقة يقيمون فيها. وتحترم الشعائر والعادات والاعراف للمكونات الاخرى دون تمييز. إلا ان خفافيش الظلام الذين يتحركون في عتمة الليل أبوا إلا أن يعكروا الاجواء بمهاجمتهم لمن لا ينشدون إلا السلام وعيشاً هادئاً في ربوع أرضٍ عشقتها اناملهم قبل قلوبهم، فلم يغادروها وإن غادرتها ارواحهم إلى الدنيا الابدية، فتعلقت اجسادهم بتلك الارض الطيبة وهي تريد ان تكون جزءاً منها.  
في يوم الاربعاء الموافق 26 تموز 2017، وبين الساعة العاشرة والحادية عشر ليلاً، قامت مجموعة من تنظيم الدولة الاسلامية (داعش) بالتغلغل إلى قرية علوة باشا والتي تعرف بعدة اسماء اخرى ايضا مثل دو سره وشه شة وهي تتبع قضاء داقوق وعلى بعد ثلاثة كيلومترات إلى الجنوب الغربي من قرية طوبزاوة وتقع في هذه المناطق مجموعة من القرى الكاكائية، وتعد القرية التي وقعت فيها الحادثة اصغرها، إذ لا تتعدى ثلاثة بيوت بعد ان كانت حوالي عشرين اسرة تسكنها، فقد هجرها اهلها لانها تقع على حدود المناطق التي تسيطر عليها تنظيم الدولة الاسلامية.
استغلت هذه المجموعة الارهابية التي تسللت إلى القرية نقاط الضعف الكثيرة الموجودة في المنطقة والعامل الجغرافي، والمعرفة التامة للمهاجمين بجغرافية المنطقة كون اغلب عناصر داعش من ابناء المنطقة نفسها، وهم على دراية كاملة بحجم قوات البيشمركة المتواجدة هناك لحماية المنطقة، اذ ان نقاط الرصد والحماية بعيدة عن بعضها البعض والقوة المكلفة لا تغطي تلك الحدود، فضلاً عن الاحراش الكثيرة في الوادي الذي يفصل بين داعش وقوات البيشمركة.
كان المهاجمون يرتدون زي عناصر البيشمركة، لتسهيل عملية الدخول إلى القرية وبالفعل ان هذا الامر أتى أُكله اذا ان السيد حسام الدين نجم الدين ششة وهو هدف العملية اعتقد بانهم من قوات البيشمركة، لاسيما وان بعضا من المهاجمين كانوا كورداً وتحدثوا معه باللغة الكوردية وقالوا له بانهم جاؤوا لوضع كمين في المنطقة، ويبدو ان السيد حسام الدين قد راودته الشكوك حولهم مما ادى إلى مشادة بينهم فالقوا القبض عليه، ثم دخلوا إلى بيته وقتلوا إحدى زوجاته وأحدى بناته، وتمكن البعض من افراد عائلته من الهرب والقي القبض على زوجة أبنه وأحد أبنائه، واخذوهم إلى جهة مجهولة، ومن الجدير بالذكر إن هناك عائلة عربية من عشيرة اللهيب تسكن في القرية نفسها وذلك لرعي الاغنام تم قتل أحدهم وخطف اثنين من أبناء الشخص المقتول، وعادوا من حيث أتوا.
 من المعروف ان السيد حسام الدين قد أصر على البقاء في ارضه وعدم مغادرتها مع عائلته على الرغم من المخاطر التي واجهها ، وكان قد اشتبك هو وعائلته مع داعش اكثر من مرة عندما كانت المسافة الفاصلة بينه وبين داعش حوالي خمسمائة متر فقط، وكان اهالي القرية قد اطمئنوا بعد عمليات قوات البيشمركة في المنطقة في ايلول 2015، واصبحت المسافة حوالي خمسة كيلومترات.

توعد عشيرة الكاكائية عناصر داعش بالانتقام من قتلة السيد حسام الدين وعائلته، وقد اثار غضب الكاكائية خطف النساء والاطفال. وعقد ابناء العشيرة عدة اجتماعات لاتخاذ الوسائل الكفيلة باسترجاع المختطفين. وقد تزامن مع تحركات العشيرة تحرك القوى الامنية الكوردية والبيشمركة للوقوف على تفاصيل العملية ومعرفة الارهابيين الذين نفذوا العملية. وقد افادت المعلومات الاستخبارية من ناحية الرشاد التابعة لقضاء الحويجة. بأن كل من قصي منصور سرحان ونزهان فرج محمد حربي مطلك الجوالي وعباس طه قادوا هذه العملية، ومن المفيد ذكره ان تنظيم الدولة الاسلامية استعرض المختطفين في ناحية الرشاد الأمر الذي أسهم في معرفة عدد من المنفذين. كما توصلت الجهات الامنية إلى معلومات تفيد إلى ان عوائل بعض من الارهابيين يتواجدون في مخيم داقوق للنازحين ومدينة كركوك، مما ادى إلى تحرك سريع لتلك القوات (الاسايش) إلى إلقاء القبض على عوائل الخاطفين، ويبدو ان هدف من وراء ذلك ممارسة الضغط على الخاطفين بعدم الحاق الاذى بالمختطفيين ومن ثم اطلاق سراحهم، ونعتقد ان هناك هدفا آخر وراء هذه العملية وهو امتصاص غضب الشارع الكاكائي للحيلولة دون قيامهم بالانتقام للضحايا والمختطفين وعدم أخذ الامور بُعداً اجتماعيا. وبلغ عدد النساء اللواتي تم اعتقالهن من قبل الجهات الامنية سبع نساء وجميعهن من عائلتي الجوالي وعباس طه.

الخميس، 6 أبريل 2017

مشروع إصلاح التعليم في العراق

مشروع
إصلاح التعليم في العراق

                                         الأستاذ المساعد الدكتور
                                       نبيل عكيد محمود المظفري
                               جامعة كركوك ــ كلية التربي للعلوم الإنسانية
                                        قســـــــــــم التـــــــأريخ
nabeeldralmodafary@yahoo.com
        إن رُقي الدول وتطورها يتوقف على مدى تطور التعليم فيها، لذا فان الدول التي تُعدُّ من الدول المتطورة ، هي ذاتها التي تعتمد نظاماً تعليمياً متطوراً، والمؤسسة التعليمية فيها بعيدة تمام البعد عن التأثيرات السياسية والدينية والاجتماعية، بل أن المؤسسات عادة تُسخرْ لخدمة المؤسسة التعليمية، ليس لشيء سوى إن مخرجات هذه المؤسسة في نهاية المطاف هي لرفد تلك المؤسسات التي تقع على عاتقها بناء المجتمع وتطور بُنيته كل حسب اختصاصه.
        لا يخفى على أحد إن ما يمر بها العراق من ظروف صعبة وحالة من عدم الاستقرار في جوانب عِدة لاسيما الأمني والسياسي، ودون شك إن ذلك له أثرٌ واضح على جميع مرافق الحياة بما في ذلك التعليم، الذي أخذ يتراجع كثيراً إن لم نقل انه وصل إلى حد الانهيار. فالعملية التعليمية بكل مقوماتها (الطالب، المنهج، المدرس)، فضلاً عن البُنية التحتية تسير إلى الهاوية. وأجد من المفيد التذكير ببعض ما قاله بعض المسؤولين في الدول المتطورة عن التعليم وامتيازات القائمين عليه، ففي كلام مسؤول ياباني عن سبب تطور بلاده قال "نجحنا لأننا منحنا المعلم امتيازات الوزير"، وقالت المستشارة الألمانية (انكيلا ميركل) للمتظاهرين من الموظفين المطالبين بمساواتهم في الامتيازات مع الموظفين في المؤسسات التعليمية فقالت "كيف نساويكم مع الذين علموكم". ولابد من ذكر شيء من موروثنا أيضا مثل "من علمني حرفاً مَلكني عبداً".
        إن الواقع المؤلم الذي نعيشه اليوم، ليس من المستحيل أن نغيره ونمضي نحو الأمام لخلق واقع أفضل، فهناك أمم كثيرة كان واقعها أسوأ مما نحن عليه، واليوم أصبحت من الأمم الرائدة والمتطورة، فمثلا ماليزيا التي كانت عبارة عن مستعمرة حصلت على استقلالها في سنة 1957، وليس لها من الموارد سوى الزراعة وبعض المهن البدائية، إلا أنها وبفضل قادة مخلصين لبلادهم وعلى رأسهم مهاتير محمد ، قد تحولت بلادهم إلى بلاد متطورة جداً وكل ذلك يعود إلى اهتمام الدولة بالتعليم، إذ خُصِصَ ما يقارب ربع ميزانية الدولة للتعليم والبحث العلمي، مما أسهم في خلق جيل واعِ قادر على البناء، فتحولت البلاد إلى دولة صناعية وجاذبة للاستثمار الأجنبي ومحطة للسياح. وكذلك سنغافورة هذه الدولة التي لم تكن أفضل حالاً من ماليزيا فهي أيضا كانت مستعمرة بريطانية وفيها تنوع قومي واجتماعي وثقافي، وحصلت على استقلالها في سنة 1965 عندما انفصلت عن اتحاد الملايو، وكان لزعيمها (لي كوان يو) الدور الأكبر في نهوض سنغافورة ، وقد قال في حديث له عن سبب تطور بلاده حتى أصبح دخل الفرد فيها الأعلى من بين دول العالم والأنظف في العالم قال: ((أنا لم أقم بمعجزة في سنغافورة، أنا فقط قمتُ بواجبي نحو وطني، فخصصتُ موارد الدولة للتعليم وغيرتُ مكانة المعلمين من طبقة بائسة إلى أرقى طبقة في سنغافورة، فالمعلم هو من صنع المعجزة، هو من أنتج جيلاً متواضعاً يحب العلم والأخلاق بعدَ أن كُنا شعباً يبصق ويشتم بعضه بعضاً في الشوارع)).
        إذن التعليم هو المفتاح لحل مشكلات بلادنا في الجوانب كافة، وهذا الأمر ليس مستحيلاً، لأن العراق يمتلك من الموارد المالية والبشرية ما تؤهلهُ بأن يكون في مصافِ الدول المتقدمة والمتطورة، إذ من الغريب أن تكون دولة مثل العراق صاحبة أقدم الحضارات وعمرها كدولة حديثة يمتد إلى سنة 1921، أي أقدم من ماليزيا وسنغافورة بعشرات السنيين، ولها من الموارد ما تكفي لبناء دول وليس بلد واحد، أن يكون هذا هو حاله. فكل المقومات موجودة من النفط والزراعة والصناعة والسياحة وغيرها. ونحن لا نحتاج إلا رغبة صادقة لبناء هذا البلد، والتعليم هو الأساس الذي يجب البدء به حتى نحقق هذا الهدف، وقد قال نيلسون مانديلا في هذا الصدد ((التعليم هو السلاح الأقوى الذي يمكنك استخدامه لتغيير العالم)). وهذا يقودنا إلى الاعتقاد بان ما نمر به اليوم من واقع متخلف متردي هو نتاج تعليم متخلف قد أكل عليه الدهر وشرب، وان المستوى العلمي للمعلمين والبُنية التحتية هما وراء تخلف البلاد. ويقول الأستاذ والأكاديمي والسياسي المصري حسام بدراوي في هذا الجانب ((لا يوجد تعليم في أي دولة أعلى من مستوى معلميه. فمستوى المعلم هو الأساس ووفق مستوى المعلمين يكون مستوى التعليم. فلا يمكن لمدرس محدود القدرات أن يُخرجَ جيلاً يتمتع بمستوى تعليمي جيد. إذن نقطة البداية لابد أن تكون تطوير المدرس)).
        نحن عندما نتحدث عن الامتيازات علينا أن لا ننسى إن هذه الامتيازات، يجب أن لا يفهمها القائم بالتعليم بأنه أفضل مقاماً عن غيره في مؤسسات الدولة الأخرى، بل لان مهمته أكبر أهمية وأمانته أثقل من الآخرين، لأنه هو من يصنعهم، فأي خلل أو نقص أو خطأ هو من يكون مسؤولاً عنه. وحتى لا ينصرف إلى عمل آخر خلال مدة عمله في سلك التعليم، لأن ذلك ربما سيكون له تأثير سلبي على عمله في المؤسسة التعليمية.
        ومن المفيد الإشارة إلى بعض الأسباب التي كانت ولا تزال وراء هذا الواقع، مع أن ذكرها لا تسمن من جوع، لكنها تساعد في فهم غاية المشروع وهدفه. ووضع الحلول والمعالجات التي ستأتي ذكرها لاحقاً:
·   الآثار الكبيرة للحروب التي خاضها العراق خلال السنوات السابقة بدءاً من حرب الخليج الأولى (1980-1988) وحتى هذا اليوم. ومن المفيد القول هنا أن التعليم في العراق في ستينيات وسبعينيات القرن المنصرم كان الأفضل في منطقة الشرق الأوسط حسب تقارير الأمم المتحدة، بينما اليوم لم يرد اسم العراق ليس في ذيل القائمة فحسب، بل حتى في التصنيف الدولي في هذا الجانب.
·         الفقر المستشري في أوساط الجماهير.
·   تدني مستوى المعلمين والمدرسين، وعدم أداء مهامهم بأمانة وإخلاص ولاسيما الذين درسوا وتخرجوا بعد سنة 1991 وما بعدها نتيجة للظروف التي مر العراق بها.
·        عدم توفر الحماية الكافية لأعضاء الهيئات التعليمية. وغياب القوانين الصارمة وتطبيقها.
·   عدم وجود الشخص الكفء والمناسب في المناصب الإدارية لرسم السياسة التعليمية وتطبيق القوانين وغلبة المحسوبية والمنسوبية والحزبية على هذا الجانب واحتكار الكراسي.
·        رتابة وقِدمْ المناهج الدراسية وضخامة مفرداتها بالشكل الذي لا يتناسب مع قدرات الطالب الذهنية.
·   جدولة الدروس اليومية بشكل خاطئ، إذ هناك خمس مواد أو أكثر في اليوم الواحد وهذا يؤثر على قدرات الطالب في فهم المادة ومتابعة واجباته.
·         الخلل الكبير في مستلزمات الدراسة من الكتب المنهجية والقرطاسية والمختبرات وفي كافة مراحل التعليم.
·   النقص الكبير في البُنية التحتية، واعتماد نظام الدوام المتعدد في البناية الواحدة مما ينعكس سلباً على حالة الطالب النفسية بسبب الأوقات غير المناسبة للدراسة وكذلك على المنهج الدراسي.
·        غياب الدورات التدريبية والتطويرية للمعلمين والمدرسين وأساتذة الجامعات والمعاهد.
·   إجازات الولادة والأُمومة الخاصة بالتدريسيات، دون أن تكون هناك قوانين وخطط مسبقة لمعالجة الإشكالات والنقص المترتبة عنها. إذ تؤثر سلباً على سير العملية التعليمية.
        بعد هذه المقدمة من الممكن أن نضع الحلول والمعالجات لانتشال التعليم في العراق من محنته، وذلك من خلال المحاور الآتية:
أولاً: الضوابط العامة
·   على الدولة فتح كليات التربية والتربية الأساسية في جميع المحافظات وفي كافة الاختصاصات ، حتى وإن استدعى ذلك الاستعانة بالكفاءات العلمية من خارج تلك المحافظات.
·   يكون تعيين المتخرجين مركزياً أسوة بكليات المجموعة الطبية. وهذه النقطة هي الأهم في الموضوع. ولربما يتبادر إلى الذهن عن صعوبة ذلك في ظل الأعداد الهائلة من الخريجين، إذ أن المتخرجين المشمولين بالتعيين المركزي هم الذين سيتخرجون وفق هذا النظام التعليمي الوارد في المشروع. (أي بعد تطبيق المشروع بأربع سنوات، والنقاط الآتية كفيلة بحل هذه المشكلة).
·   يُعينْ المتخرج في إحدى المدارس كمطبق لمدة عام دراسي كامل براتب أو بدون راتب وتحت إشراف أثنين من المشرفين التربويين أحدهما مختص في العلوم التربوية والنفسية، والآخر ضمن اختصاص المتخرج المتعين، وبناءً على تقييم المدرسة والمشرفين له يتم اعتماد تعيينه بشكل رسمي ويكون له جميع امتيازات أقرانه أو رفض تعيينه إن لم يحقق درجة النجاح (70%) فما فوق. وتوزع درجة التقييم بالشكل الآتي (إدارة المدرسة (40%)، المشرف العلمي (30%) ، المشرف التربوي والنفسي (30%)).
·   إلغاء فترة التطبيق في المراحل المنتهية لكليات التربية والتربية الأساسية (ستة أسابيع) المعتمدة حالياً من قبل الكليات، والاكتفاء بمادة المشاهدة فقط على أن يخصص يوم كامل من كل أسبوع لهذه المادة، وإيلائها اهتماماً كافياً وتحت إشراف مباشر من رئيس القسم العلمي. ويجب أن لا تقتصر الزيارات الميدانية على مدرسة واحدة أو منطقة واحدة، أي يجب أن تشمل الزيارات المدن والأرياف، وعلى الجامعات توفير كل مستلزمات نجاح الزيارات الميدانية، من الوسائل والحماية. ويكون المسؤول عن هذه المادة تدريسيين أثنين أحدهما علمي والآخر تربوي، وتوزع درجة المادة مناصفةً بين الاثنين (50 درجة لكل تدريسي).   
·        إلغاء معاهد المعلمين في جميع المحافظات. وتعويضها بكليات التربية الأساسية.
·   لا يجوز فتح أكثر من كلية واحدة للتربية الأساسية (المعلمين) في الجامعة الواحدة باستثناء المحافظات التي يتجاوز عدد نفوسها عن مليوني فرد. وذلك لإمكانية تعيينهم مباشرة بعد التخرج.
·   لا يجوز فتح أكثر من كلية واحدة للتربية في الجامعة الواحدة باستثناء المحافظات التي يتجاوز عدد نفوسها عن مليوني فرد. وفي حالة عدم وجود جامعة أخرى في المحافظة نفسها يمكن فتح كلية أخرى. وذلك للغرض نفسه الذي ورد في النقطة السابقة.
·   توفير البُنية التحتية اللازمة في كل الكليات وفق أعلى معايير التطور، من قاعات دراسية مناسبة ومختبرات علمية متطورة والتكنولوجيا الحديثة، وغرف إدارية مناسبة وغرف مناسبة للتدريسيين تتوفر فيها سبل التطور من وسائل الاتصال.
·   الاهتمام الكافي بالمكتبات في الجامعات والمعاهد، وتوفير المصادر العلمية المتطورة ، وبما فيها المكتبات الالكترونية والانترنت.
·   بناء المدارس ورياض الأطفال بالشكل الذي يتناسب مع الكثافة السكانية لفض مشكلة الدوام الثنائي والثلاثي. إذ أن هذه المشكلة تؤثر سلبا على العملية التعليمية، وبخاصة ما يتعلق بالتلميذ والطالب في مرحلتي الابتدائية والثانوية. حيث يكون ذلك على حساب الوقت والمادة الدراسية، إذ يقل استيعاب التلميذ للدروس بعد الساعة الثانية ظهراً، وعادة يتم تقليص مدة الدرس الواحد إلى (30-35) دقيقة وإلغاء الفرصة في بعض الأحيان.
·   ضبط الدوام وفق التعليمات والقوانين، وعدم تجاوزها بأي حال من الأحوال، وفصل الطلبة غير الملتزمين وفقاً للتعليمات والقوانين.
·   إلغاء الدراسة المسائية في جميع كليات التربية والتربية والأساسية لما لها من تأثير سلبي على التعليم. وذلك لعدم التزام طلبة الدراسة المسائية بالدوام، وعدم تمكن الكليات من انجاز مفردات المناهج الدراسية لضيق فترة الدوام المسائي وخاصة في ظل الظروف الأمنية الراهنة، فضلا عن المستوى العلمي المتدني لطلبة الدراسية المسائية ولاسيما أن المتقدمين للدراسة المسائية إما من الذين لا تؤهلهم معدلاتهم للقبول في الدراسة الصباحية، أو من كبار العمر الذين يقل استيعابهم للمواد الدراسية في هذا العمر، أو أنهم من الموظفين في دوائر الدولة المختلفة وبالتالي لا يستطيعون أن يوفقوا بين الوظيفة والدراسة، ويؤثر ذلك على أدائهم كموظفين وكذلك كطلبة، مثل التهرب من الدوام الوظيفي وعدم الالتزام بالدراسة، أو الإرهاق الذي هو فيه نتيجة لدوامه لساعات طويلة في دائرته ودراسته، وفي المحصلة النهائية سيكون له أثر سلبي على الجانب العلمي للطالب في الدراسة المسائية.
·        عدم قبول أي طالب في هذه الكليات ممن يرتبطون بوظيفة مدنية كانت أم عسكرية.
·        توحيد المناهج الدراسية في هذه الكليات وفقاً لأعلى معايير التطور والوحدات والساعات الدراسية.
·   عدم شمول مادة اللغة العربية في الامتحان الوزاري للفرع العلمي والإبقاء عليها كمادة دراسية في الصف الدراسي لأنها تؤثر على معدلات الطلبة التي تعد شرطاً أساسياً للقبول في الجامعات والمعاهد.
·   عدم شمول مادة التربية الإسلامية في الامتحان الوزاري للفرع الأدبي والإبقاء عليها كمادة دراسية في الصف الدراسي لأنها تؤثر على معدلات الطلبة التي تعد شرطاً أساسياً للقبول في الجامعات والمعاهد.
·   التأكيد على مادة الأخلاق والإخلاص والأمانة في العمل وحسن التصرف والتعامل مع الآخرين وتطبيق القوانين والتعليمات، ومادة التربية الوطنية وحب البلاد، والمواطنة واحترام التنوع الثقافي والاجتماعي في مرحلتي رياض الأطفال والابتدائية وإلغاء حالة الرسوب في هاتين المرحلتين من التعليم.
·   وضع الجداول الدراسية بالشكل الذي يساعد التلميذ والطالب على فهم المادة الدراسية، أي يخصص اليوم الواحد لمادة واحدة أو مادتين أو ثلاث مواد في أقصى الحالات، ليتسنى للتدريسي شرح المادة بشكل أفضل ويسترسل في سلسلة أفكاره لإيصال المادة بشكل أفضل للطالب، وبالمقابل يستقبل الطالب المعلومات بطريقة أفضل، سواء ما يتعلق بفهم المادة أو تحضير واجباته وعدم ضياعه بين عدة مواد في اليوم الواحد، ويجب أن تكون مدة الدرس أطول من المدة المعتمدة في المدارس حالياً، كأن تكون ساعة أو ساعة ونصف.
·        إلغاء الدور الثالث أو التكميلي في المراحل الدراسية كافة المنتهية وغير المنتهية وفي المدارس والجامعات والمعاهد.
·   إلغاء نظام العبور في الجامعات والمعاهد، وتفعيل النظام القديم في الجامعات والمعاهد والذي ينص على عدم مشاركة الطالب في امتحانات الدور الثاني إذا رسب في أكثر من نصف المواد في الدور الأول.
·    على الطالب الراسب في مرحلته الدراسية في الجامعات والمعاهد إعادة المواد التي رسب فيها وتلك المواد التي حصل فيها على تقدير مقبول.
·   الاكتفاء بدرجات القرار التي تمنحها مجالس الكليات وفقاً للضوابط والتعليمات الامتحانية، وذلك لأن تلك المجالس أعلم بحالات الطلبة من الوزارة ورئاسة الجامعات، وفي حالة تدني نسب النجاح في كلية أو قسم ما، يخول مجلس الجامعة لتحديد درجة القرار، على أن لا يعمم على الكليات والأقسام العلمية الأخرى.
·   يكون سن التقاعد للعاملين في وزارة التربية (60) عاماً، و (65) عاما للعاملين في وزارة التعليم العالي والبحث العلمي. ولا يجوز التجاوز عليها تحت أي ذريعة كانت.
·   لا يحق لأي مدرس أن يكون مشرفاً تربوياً في وزارة التربية، إن لم تكن لديه خبرة في التدريس والإدارة تقل عن (20) سنة.
ثانياً: آلية قبول الطالب
·   لا يحق للطالب أن يتقدم إلى الكليات التي تقع خارج محافظته، لأن خلاف ذلك سوف يؤثر سلباً على احتياجات المحافظات من الاختصاصات العلمية، فمثلاً قبول طلبة من خارج محافظة كركوك سيكون على حساب طلبة المحافظة لان عدد المقبولين في الأقسام محدد كما سنبين ذلك في الفقرات اللاحقة وكذلك فان التعيينات تكون حسب المحافظات أو على أقل تقدير تكون الأولوية لأبناء المحافظة، فضلاً عن أن أبناء المحافظات الأخرى لا يقدمون على التعيين خارج محافظاتهم. لذلك فان هذه النقطة ستعالج عدة مشاكل من بينها مشكلة الاختصاصات العلمية والمناطق النائية. وقد يتبادر إلى الذهن أن هذه النقطة لا تراعي مسألة التنوع الثقافي الموجود في المحافظات الأخرى في حالة عدم قبول الطالب في الجامعات خارج محافظته، نؤكد أن المناهج الدراسية تكون موحدة بالشكل الذي يخدم التنوع، وان المحافظات العراقية بوجه عام تتميز بالتنوع الثقافي، وان الكليات الأخرى (باستثناء كليات التربية والتربية الأساسية) غير مشمولة بهذا المشروع.
·   يحق للطالب التقدم إلى كليات التربية الأساسية (المعلمين) من خريجي الدراسة الإعدادية حصراً وعلى أن لا يقل معدل المتقدم من الفرع الأدبي عن (70) درجة، والفرع العلمي (75) درجة.
·   الحد الأعلى للقبول في هذه الكلية (60) طالباً وطالبة. أو حسب الأقسام المتوفرة في الكلية على أن لا يتجاوز (20) طالباً وطالبة للقسم الواحد.
·   يحق للطالب التقديم إلى كليات التربية من خريجي الدراسة الإعدادية حصراً وعلى أن لا يقل معدل المتقدم من الفرع الأدبي عن (80) درجة، والفرع العلمي (85) درجة.
·        الحد الأعلى للقبول في الأقسام العلمية الصرفة (30) طالباً وطالبة فقط و (25) طالباً وطالبة للأقسام الإنسانية.
·   يكون قبول الطالب في هذه الكليات وأقسامها العلمية مركزياً وحسب معدلاتهم ورغباتهم لضمان تحقيق العدد المطلوب في كل قسم علمي حسب الأعداد المعلنة في الفقرتين أعلاه.
·   إلغاء كليات التربية والتربية الأساسية في الجامعات الأهلية كافة، وبما أن أغلب هذه الجامعات تعتمد نظام الأقسام وليس نظام الكليات ، لذا يتوجب إلغاء كافة الأقسام العلمية التي تكون مخرجاتها لغرض التدريس في التعليم الابتدائي ورياض الأطفال والتعليم الثانوي (المتوسطة والإعدادية)، ويمكن استثناء التربية الرياضية من هذا الموضوع على اعتبار أن للموهبة دور أساسي في نجاح الطالب.
ثالثاً: المعلم والمدرس والأستاذ الجامعي
        يُعد التدريسي العنصر الأهم في نجاح العملية التعليمية ، لذا فان حمايته من الناحية الأمنية والقانونية والاجتماعية واجب على الدولة، ولا يجوز بأي حال من الأحوال التنصل من هذا الواجب، ويجب أولاً أن تكون القوانين صارمة في هذا المجال، مثل قانون حماية المعلم والمدرس، والضوابط والتعليمات الخاصة بانضباط الطلبة في الجامعات والمعاهد، وبعد صدور العقوبات الانضباطية بحق الطلبة المخالفين، فيجب أن لا يعاد الطالب إلى الدراسة إلا بعد انتهاء مدة عقوبته وليس لأي مسؤول هذه الصلاحية سواء رئاسة الجامعة أو عمادة الكلية أو مديرية التربية، لان ذلك يُعَدُ تجاوزاً على حق التدريسي، وفي حالة شعور الطالب بالظلم له الحق في تقديم تظلم إلى الجهات المعنية، وتُشكلْ لجنة تدقيقية للنظر في أوليات التحقيق، واللجنة التدقيقية تكون مسؤولة عن اتخاذ القرار النهائي، ويجب أن لا يخلو اللجان التحقيقية والتدقيقية ولجان انضباط الطلبة من عضو قانوني، وكما أن مشروعنا يؤكد على كثير من الأمور التي تؤثر سلباً على وضع (المعلم، المدرس، الأستاذ الجامعي) من الناحية المادية مثل إلغاء الدراسة المسائية في كليات التربية والتربية الأساسية التي تَدُر بعض المال عليه، وكذلك منعه من أداء أي عمل خارج دائرته الرسمية، لابد من تعويضه عن ذلك بمبالغ مقطوعة من المال علاوة على راتبه وحسب موقعه ولقبه العلمي.
الامتيازات المالية
المدارس ورياض الأطفال
-       المعلم (250) ألف دينار.
-       المدرس (300) ألف دينار.
-       منح قطعة أرض سكنية حسب مسقط الرأس.
الجامعات والمعاهد
-       المدرس المساعد (400) ألف دينار.
-       المدرس (500) ألف دينار.
-       الأستاذ المساعد (600) ألف دينار.
-       الأستاذ (700) ألف دينار.
-       منح قطعة أرض سكنية أو دار حسب موقع عمله.
ضوابط العمل
-       يمنع التدريسي (المعلم، المدرس، الأستاذ الجامعي) من العمل في أي مهنة أخرى خارج مجال تخصصه.
-       يمنع التدريس الخصوصي أي كانت ذرائعه أو مجالاته، ويجب محاسبة المخالفين وفق آليات تحددها وزارة التربية.
-       إشراك العاملين في المؤسسات التعليمية في الدورات التدريبية كل حسب اختصاصه ومهامه.
-   إخضاع العاملين في المؤسسات التعليمية إلى اختبارات دورية ومتابعة أعمالهم من قبل المسؤولين والمشرفين ومحاسبة المقصرين في أعمالهم ومن خلال عدة إجراءات منها: قطع الامتيازات والنقل إلى مكان آخر والإعفاء من التدريس وتكليفه بمهام أخرى والإقالة.

-   التغيير الدوري في المناصب الإدارية ويكون الحد الأقصى لبقاء الموظف (المعلم، المدرس، التدريسي الجامعي) في مهمته الإدارية، أربع سنوات وفي حالة عدم كفاءته يعفى من مهمته حتى وإن لم يكمل مدته القانونية، وفي حالة إثبات الموظف كفاءته الإدارية وإكمال مدته القانونية يكلف بمهمة إدارية أخرى ويفضل أن يكون بدرجة أعلى من مهمته السابقة للاستفادة من خبرته ونزاهته وأمانته.

السبت، 22 أغسطس 2015

العراق والمأزق السياسي

مشكلة العراق أين تكمن
يبدو ان هذا البلد كتب عليه أن يعيش تعيسا ليس لشيء إنما فقط ان قادته ﻻ يحسنون فن اﻻدارة فهم اما جهلة ﻻ يفقهون في اﻻدارة شيء ام هم سراق وصلوا الى السلطة ليس بقدرة قادر طبعا انما بقدرة امريكا التي لم تهذبهم ولم تعلمهم كيف تكون القيادة ستكون لنا مقالة طويلة عن هذا الموضوع

الاثنين، 2 فبراير 2015

العراق في قلب الاعصار


العراق ، هذا الاسم يعرفه القاصي والداني، فهذا البلد عرَّف نفسه على انه صاحب أقدم حضارات العالم ، كيف لا ، فهو موطن ولادة حضارات سومر وأكد وبابل وآشور وكوتيا واللولو وميتان وميديا والخ ، إذ تركت هذه الحضارات بصماتها وآثارها ، ولعل من الجدير بالذكر ان شعبه أول من ابتكر الكتابة (الخط السومري) وصاحب أقدم قرية زراعية ظهرت على وجه البسيطة (قرية جرمو)، وهو موطن الإنسان القديم (إنسان شاندر)، ولا أريد ان اذكر كل المآثر الحضارية للعراق، لان عندها سأحتاج إلى مجلدات وهذا ليس بمقصدي في هذا المؤلف، ولكن السؤال الأهم يا ترى هل نحن فعلا امتداد لتلك الحضارات؟. أم غرباء حللنا بهذه البلاد ، أم لم نكن أهلا لصيانتها واستمراريتها في العطاء، أي ما أريد قوله هل نحن سومريون أو اكديون أم بابليون أو كيشيون أو ميتانيون أو ميديون أو لولوبيون أو ننتمي إلى اية ملة أخرى تركت بصمتها على هذه الأرض، وإذا كنا فعلاً كذلك فهل ضللنا طريقهم. أم إننا من ينطبق عليه قول الشاعر معروف عبدالغني الرصافي ((فشر العالمين ذوو خمول إذا فاخرتهم ذكروا الجدودا)) ، وبعيدين جدا من قوله ((وخير الناس ذوو حسب قديم أقام لنفسه حسبا جديدا)).
دون شك وعلى اقل تقدير فان بعضا منا ينتمي إلى تلك الحضارات، والبعض الآخر الذي هاجر إلى هذه البلاد فلابد له ان تأثر ولو بعض الشيء بآثارها. إذن لماذا لا نستطيع ان ندير بلادنا ولماذا يقتل بعضنا الآخر. هذه التساؤلات لابد ان راودت أفكار آخرين غيري ولابد ان تحركت مشاعرهم وتفحصوها وتسارعت أقلامهم للإجابة عنها. ولعلي أحد هؤلاء.
    لربما ذهبت بعيدا عن الموضوع وانا أريد ان أتحدث عن أحداث العراق في القرن الحادي والعشرون، ولكن لابد من توطئة لفهم ما يجري على الأرض العراقية. وهنا لابد من التعرج إلى الآثار السلبية منها والايجابية التي تركتها الغزوات والفتوحات والاستعمار الأجنبي لهذه البلاد بدءً من الصراعات القديمة بين الحضارات التي اشرنا إليها والغزوات الأجنبية ومنها الاخمينية والمقدونية والساسانية والفتوحات الإسلامية والغزوات المغولية والتيمورية، فضلاً عن سياسات الدول كالجلائرية وقره قوينلو وآق قوينلو والدولة الصفوية والدولة العثمانية وانتهاءً بالاستعمار البريطاني وتأسيس الدولة العراقية في سنة 1921.
    إن هذه الموجات البشرية والاحتلالات غيرت كثيراً من الواقع الاجتماعي والاقتصادي والسياسي لهذه البلاد التي تعرف باسم العراق. إذ تلونت هذه البلاد بألوان شتى، يبدو ان السمة البارزة للسياسات التي اعتمدتها الحكومات والدول التي حكمت البلاد، هي ان تخفي الألوان الأخرى وتبرز لونا واحداً قدر المستطاع، ولكن يبدو أنها قد فاتتها بان اختلاط لون مع آخر أو ألوان عدة مع بعضها يظهر لك لونا جديداَ، لهذا فهي فشلت في إدارة هذه البلاد والاستفادة من كل طاقاتها، وأحدثت شرخاً وتصدعاً لا يمكن معالجته بسهولة. لذلك نجد اليوم كل فريق يريد ان يسلك طريقا مستقلاً عن الآخر ولربما هذا الطريق هو الوحيد الذي يضمن للإنسان على هذه الأرض ان يعيش. إلا ان هذا أيضاً لا يخلو من الصعوبات والتضحيات، لان بعض فئات المجتمع لا يزال لم يصل إلى قناعة بأن هذا البيت الكبير لم يعد يسعهم جميعا فلابد ان يستقل الأبناء عن بعضهم لتجاوز مشاكلهم، ولرب ضارة نافعة، أي لربما بعد الفراق يحنون إلى بعضهم ويتحالفون معا، وكما يقال كلما زاد البعد كلما زاد الاشتياق.
أدت الدول الاستعمارية الكبرى دورا مهما في رسم الخارطة السياسية للعالم بعامة، والشرق الأوسط بشكل خاص، فقد كانت لبريطانيا وفرنسا وروسيا ومن ثم الولايات المتحدة الأميركية اليد الطولى في اللعبة السياسية العالمية حتى بات لا يصدق إذا ما وقعت حادثة سياسية أو عملية انقلابية في بلد ما إلا وتوجهت أصابع الاتهام إلى تلك الدول. وهذا الاعتقاد بغض النظر عن صحته من عدمه، إلا انه كان السبب الأساسي في تعبئة الشارع في هذه المناطق ضد هذه الدول. ومما عمق هذا الاعتقاد، الدول التي ظهرت بفعل الاستعمار وأصبحت كوكبا يدور في فلكه، أو الأنظمة التي ظهرت فيها نتيجة لانقلابات عسكرية ومضادة لتوجهات الدول الاستعمارية وكانت حسب مصالحها ترمي بنفسها في حضن الشرق تارة والغرب تارة أخرى وهما سيان. لذا فان المناهج التربوية والعلمية (وهنا اقصد الاجتماعية) وضعت لتخدم سياسة الأنظمة القائمة. فنشأت أجيالا وتربت على هذه المائدة. فكانت ولادة شعوب تحمل أمزجة متناقضة تراها تريد أن تعيش على ارض تلك الدول الاستعمارية في الوقت الذي ترى بأنها أساس البلاء.
وظهرت الدولة العراقية إلى الوجود بفعل تلك الدول، والشعب العراقي هو نتاج هذه التربية التي اشرنا إليها، ولعل هذه التربية والإرث التاريخي للدول والأديان والمذاهب التي سبقت نشأة الدولة العراقية، جعل من الفرد العراقي أن يكون متقلب المزاج وهذا يؤكده علماء الاجتماع والدراسات التي ظهرت بهذا الخصوص لاسيما دراسة الدكتور علي الوردي والدكتور باقر ياسين يؤكدان ما ذهبنا إليه. وهذا الأمر لا ينطبق فقط على عامة الشعب بل حتى على الذين يعدون من النخبة أي الأكاديميين والسياسيين والمثقفين والفنانين وغيرهم. فتجدهم في الأمس القريب كانوا أبواقا للنظام ويخرجون إلى الشوارع يمجدون النظام ويهددون الذين يعادونه، وما أن سقط النظام حتى خرج هؤلاء أنفسهم إلى الشارع يشيدون بالتغيير ويتصدون للعملية السياسية، فلا غرابة إذا ما غير احدنا مبدئه أو اعتقاده بين ليلة وضحاها فهذا هو ديدننا.
 برزت مصالح الدول الغربية في المنطقة منذ أمد بعيد، لعل ذلك يعود إلى عصر الاستكشافات الجغرافية، أملا في الوصول إلى ثروات الشرق، فأخذت سفنها تخوض عباب البحر بعد اكتشاف طريق رأس الزوابع (رأس الرجاء الصالح) في نهاية القرن الخامس عشر، وبعد تنافس شديد وصدامات وحروب تمكنت بريطانيا من فرض هيمنتها على اغلب مناطق الشرق الأوسط ، وقد اتخذت تلك الهيمنة أشكالا متعددة منها عسكرية ومنها اقتصادية ومنها سياسية التي أخذت شكل معاهدات حماية أو امتيازات وغيرها، لكن هذا لا يعني مطلقا إنها الوحيدة التي كانت تملك تأثيرا في هذه المنطقة . فمثلا فرنسا وروسيا والمانيا أيضاً كانت تتمتع ببعض النفوذ في المنطقة، لاسيما وان الدولة العثمانية والدولة القاجارية في إيران كانتا تمران في مرحلة من الضعف، وليس بمقدورهما مواجهة هذه الدول الاستعمارية عسكريا أو سياسيا . وقد كانت هناك منافذ كثيرة دخلت من خلالها هذه الدول إلى المنطقة، ففضلا عن المدخل الاقتصادي والسياسي كان هناك المدخل الديني والمذهبي والقومي... يتبع إن شاء الله

السبت، 10 نوفمبر 2012

الاعلان الفرنسي لحقوق الانسان: دوافعه ومضمونه


فرنسا وإعلان حقوق الإنسان والمواطن
        كانت فرنسا تعيش في ظلام العصور الوسطى، إذ كانت غائبة عنها روح التسامح والعدالة الاجتماعية والمساواة السياسية والقضائية، فضلاً عن الفقر المدقع الذي كانت تعانيه غالبية الشعب الفرنسي، فالملوك يمارسون الحكم المطلق، والطبقات المتنفذة تهيمن على مقدرات البلاد وتمتلك الإقطاعيات والكنيسة وطبقة رجال الدين الاكليروس تتمتع بامتيازات لا حدود لها، في الوقت الذي كانت الحريات العامة لا وجود لها إلا في ضمير الأحرار ومخيلتهم لا سيطرة له ولا سلطان على مقدراته ومصيره([1]) .
        إن نظرة سريعة في الأسباب التي كانت تقف وراء قيام الثورة الفرنسية، تطلعنا على حجم المعاناة الإنسانية في فرنسا، فكلها تصب في خانة حقوق الإنسان، أي أن فقدان الإنسان لحقوقه في تلك البلاد، هو السبب الذي كان وراء تلك الثورة الجبارة التي غيرت كثيراً في الواقع السياسي والاجتماعي ليس في فرنسا فحسب، بل في أنحاء مختلفة من العالم، وبخاصة في أوربا، فالملك يحكم البلاد حكماً مطلقاً ولا مرد لقراراته ولا تحديد لسلطاته، ولعل ما قاله الملك لويس الرابع عشر (1661-1705) خير تعبير على ما كانت عليها فرنسا "الدولة هي أنا"([2])، أما البرلمان الفرنسي (مجلس الطبقات) الذي كانت جذوره تمتد إلى العصور الوسطى، لم يكن يمثل الشعب بشكل عادل، فقد كانت هناك ثلاث طبقات هي النبلاء (الأشراف) ورجال الدين (الاكليروس) والطبقة العامة التي كانت تمثل غالبية الشعب الفرنسي من الفلاحين والبرجوازية الصغيرة أي أنها تمثل حوالي (25) مليون نسمة قبيل الثورة في سنة 1789، في حين لم تكن طبقتي النبلاء ورجال الدين يمثلون إلا حوالي مليون نسمة فقط، بينما كانت تهيمنان على مقدرات البلاد، وتتمتعان بالامتيازات التقليدية التي حصلتا عليها في العصور الوسطى وعصر الإقطاع، فقد كان النبلاء يملكون أراضي واسعة يستغلونها بواسطة الفلاحين والعبيد، ولهم الحق في شغل المناصب العليا في الجيش والإدارة والقضاء دون غيرهم، كما لهم الحق في فرض ضرائب معينة على الفلاحين في اقطاعاتهم مثل حق القضاء وإجبارهم على الطحن والعصر في مصانع النبلاء، فضلاً عن الإعفاءات الضريبية والالتزامات المالية الأخرى تجاه الدولة، وكذلك الحال بالنسبة إلى طبقة رجال الدين، أما الطبقة العامة فقد كانت تتحمل أعباء الدولة كلها من دفع الضرائب والخدمة العسكرية وخدمة الأشراف والكنيسة ورجال الدين، وكانت محرومة من ابسط الحقوق الطبيعية كالحرية والمساواة أمام القانون وحق اختيار النظام السياسي الذي يلبي رغباته([3]) .

الثورة الفرنسية
        كان مجلس الطبقات يتكون من 1154 نائباً منهم (291) من طبقة رجال الدين و(285) من طبقة النبلاء، وكانت الأغلبية المطلقة من هاتين الطبقتين من المؤيدين للملك، وكان من بينهم أيضاً عدد من الشخصيات التي تقف إلى جانب الطبقة العامة في حقوقها وقراراتها من أمثال تاليران (Talleyrand) وكريكوري (Gregoire) من طبقة رجال الدين ولافييت (Le Fayette) والكونت دي نواي (De Noailles)، أما الطبقة الثالثة (العامة) كانت تتألف من (578) نائباً بينهم أشهر شخصيات فرنسا من أمثال ميرابو وروبسبيير وسييز وبالي (Bailly) ([4])، وكان لكل طبقة صوت واحد على الرغم من إن ممثلي الطبقة العامة كانوا حوالي نصف عدد مجلس الطبقات([5])، وبالتالي فان الطبقة العامة لم تكن تمتلك القوة القانونية التي تمكنها من تمرير القرارات والحد من سلطات الملك في ظل التأييد المطلق له من قبل النبلاء ورجال الدين .
        في ظل غياب دور ممثلي الشعب نتيجة للنظام السياسي وتحكم الملك وطبقتي النبلاء ورجال الدين بمقدرات البلاد في جميع النواحي، كانت الأوضاع الاقتصادية سيئة جداً في فرنسا، فخزينة فرنسا شبه خاوية منذ عهد لويس الرابع عشر بسبب حروبه المستمرة والإسراف والبذخ من قبل البلاط([6])، وعدم تنازل طبقتي النبلاء ورجال الدين عن امتيازاتها ووقوفهما بوجه الإصلاحات التي أقدم عليها كالون (Calonne) في عهد لويس السادس عشر من خلال برنامجه الإصلاحي القاضي بتساوي الفرنسيين في تحمل مصاريف الدولة بغض النظر عن مراتبهم الاجتماعية وإلغاء الحواجز الكمركية بين الأقاليم وتنشيط التجارة، فضلاً عن المجاعة التي اجتاحت البلاد سنة 1788([7]) .
        كان الشعب الفرنسي بحاجة إلى ثورة عارمة تشمل جوانب الحياة كافة للخلاص من المأساة السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي يعيشها، وقد تلقى الشعب شحنات فكرية ساهمت بشكل كبير في إثارة حماسته، فقد أيقظت دعوات وأفكار وآراء المفكرين الشارع الفرنسي ونبهته إلى الممارسات اللاانسانية واغتصاب حقوقهم واستغلال سذاجتهم ليكونوا خدماً مطيعين للملك والطبقات المتنفذة، فقد كرس فولتير (1694-1778) حياته للكفاح ضد طغيان الكهنة ورجال الدين والعمل على رفع مكانة الإنسان حتى أصابه اليأس من إصلاحهم إذ قال "لقد أوقفت نفسي دائماً على بذل جهدي المتواضع لأجعل من الناس اقل سخافة وأكثر شرفاً" وكذلك قال "لقد تعبت من هؤلاء الناس الذين يحكمون الدول من علياء قصورهم . هؤلاء المشرعون الذين يحكمون العالم ويعجزون عن حكم زوجاتهم أو عائلاتهم ... ان من المستحيل تسوية هذه المسائل كلها بتقسيم جميع الناس إلى حمقى وخدم من جهة، وحكام وأسياد من جهة أخرى"([8]) .
        لقد سبق فولتير عدد من المفكرين الذين دعوا إلى القضاء على نظام الطبقات الاجتماعية والسلطة المطلقة وتحقيق العدالة عن طريق الحرية والمساواة، فقد وجه المفكرون انتقادات لاذعة للملك، فضلاً عن التلويح بالثورة، ونرى ذلك في كتابات باسكال (Pascale) ولافونتين (Lafontain) وبرادلو (Baradlot)، ونستشهد هنا بمقولة للافونين في كتابه (تنهدات فرنسا)، ويتوضح فيها مدى استغلالهم للشعب والسلطة في سبيل مصالحهم الشخصية "ان ملوك فرنسا قد جعلوا من انفسهم بابوات مفتين واحباراً ان الملك هو كل شيء والدولة لم تعد شيئاً"، وهدد لابروبير بالثورة ما لم تصلح حال الرعية، مذكراً الملك في الوقت نفسه ما آل إليه مصير الملك الانكليزي جارلس الاول([9]) .
        كان فولتير يدعو إلى الدفاع عن حرية الفكر والعقيدة ونصرة وحماية الفرد من تعسف السلطات الدنيوية منها والدينية، بينما وقف مونتسكيو (Montesquie) (1689-1755) على الواقع الذي يعيشه الشعب الفرنسي وآلامه من خلال كتابه (الرسائل الفارسية) ودعا إلى وضع حد لتلك الأوضاع غير الطبيعية، وفي كتابه (كانديد) دافع عن الكادحين وهاجم الاسترقاق والمعاملة السيئة التي يعامل بها العبد من قبل سيده، وكان لكتابه الشهير (روح القوانين) وقع كبير على المجتمع الفرنسي، إذ أشار من خلاله إلى أهمية تحقيق العدالة والحرية في المجتمع، وأكد بان مبدأ الفصل بين السلطات هو خير ضمان للحرية والمساواة والعدالة الاجتماعية، وقد كان ثمن تلك الأفكار باهظة في ظل غياب حقوق حرية الفكر، إذ تعرض اغلب المفكرين الفرنسيين إلى الأذى والاهانة، بل إن بعضهم دفع حياته ثمناً لكتاباته وأفعاله المعارضة للسلطة ونظام الطبقات واستغلال الناس باسم الحق الإلهي والدين، ومن هؤلاء اتالرند ودي لاباز([10])، لكنها في الوقت نفسه أوجدت أرضية مناسبة لاستلهام الأفكار الثورية وأصبحت نبراسا لتحرك جماهيري وأهدافاً لابد من تحقيقها، إذ كانت بعضها دعوة صريحة للثورة، فقد بين جان جاك روسو (J.J. Rousseau) (1712-1778) في كتابه (العقد الاجتماعي) حق الشعب في الثورة، إذ نزع روسو ثوب القداسة عن الملوك، وفند شرعية نظرية الحكم الإلهي، وأكد إن الحكومات لا تعد شرعية إن لم تنل رضا الشعب، فإرادة الأمة هي مصدر القوانين والشرائع، وان السلطة عقد بين الحاكم والمحكوم، وإذا اخل الحاكم بشروط العقد، فان للشعب الحق في الخروج على سلطته، ولذلك يكون روسو أول من أباح الثورة والخروج على الحكومة([11]) .
        في ظل الأوضاع العامة المتردية في فرنسا قبيل الثورة، واشتداد الأزمة المالية والشكاوي الكثيرة التي انهالت على الملك والحكومة حول الأوضاع السيئة، فضلاً عن الأجواء المشحونة ضد السلطة جراء انتشار الأفكار الثورية في صفوف العامة وأمام تعنت النبلاء ورجال الدين في عدم التنازل عن امتيازاتهما لمعالجة الأزمة، كان لابد للملك ان يتحرك لإنقاذ البلاد، فدعا مجلس الطبقات للاجتماع بعد انقطاع دام (175) عاماً لدراسة الأوضاع ووضع الحلول لها([12])، وقد أجريت الانتخابات في نيسان 1789، واجتمع المجلس في 4 أيار من السنة نفسها، وكان مؤلفاً من (1200) عضواً نصفهم من الطبقة العامة والنصف الآخر يمثلون النبلاء ورجال الدين([13]) .
        بدأ الجو متوتراً منذ الاجتماعات الأولى للمجلس، فقد كان نواب الطبقة العامة عازمين على التخلص من قيود القوانين القديمة، وقد حمل النواب معهم عرائض وشكاوى مقدمة إلى الملك والمجلس، وكان عددها حوالي (20) ألف عريضة مقدمة من كافة طبقات الشعب، وكانت أهم تلك العرائض والشكاوى تلك التي تقدم بها ممثلي دائرة فرساي الانتخابية، كان قسم منها خاص بنظام الحكم ووراثة العرش والتشريعات القانونية وكيفية إصدار القوانين، والقسم الآخر كان يتعلق بصورة مباشرة بحقوق الإنسان، وقد كانت جميع العرائض محررة من الناخبين الفرنسيين يدعون فيها بشكل عام إلى تحقيق المطالب الأساسية للشعب الفرنسي . ونلخصها في النقاط التالية :
1-   صيانة الحريات العامة ومنع التجاوز عليها إلا بموجب القانون .
2-   إلغاء الامتيازات القديمة التي كانت تتمتع بها الفئات المتنفذة من الشعب الفرنسي .
3-   عدم فرض الضرائب دون حصول موافقة مجلس الطبقات وإلغاء نظام السخرة .
4-   توزيع الضرائب على جميع فئات الشعب بالتساوي بغض النظر عن الانتماء الطبقي للمكلفين .
5- إلغاء كل ما تبقى من الرق في الأرض والرق الشخصي، وعلى مجلس الطبقات العمل على تحرير الزنوج والرقيق في المستعمرات .
6-   منح الجنسية لكل مستوطن أجنبي مضى على إقامته ثلاث سنوات في فرنسا .
7-   الفصل بين السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية .
8-   حرية التجارة والصناعة ومجانية التعليم .
9- إدماج الطبقات الثلاثة في طبقة واحدة ويكون التصويت حسب الفرد وليس حسب الطبقة وتخصيص رواتب لرجال الدين وتحويل واردات الكنيسة إلى خزينة الدولة([14]).
وان من المفيد ذكره، إن ما جاء في تلك العرائض من شكاوى ومطالبات، أصبحت نواة الدستور الفرنسي في سنة 1791 .      
   وفي الاجتماع الذي عقده مجلس الطبقات في 6 أيار 1789، أقدمت الطبقة العامة في أول خطوة لها على تغيير اسمها إلى مجلس العموم، ثم استقروا على اسم الجمعية الوطنية في 17 حزيران، وانضم عدد من نواب طبقة رجال الدين من القساوسة الفقراء إلي الجمعية الوطنية، وطالب المجتمعون بإزالة الحواجز بين الطبقات، لكن النبلاء رفضوا ذلك وطالبوا الملك بعدم الاستجابة لذلك الطلب([15])، وفعلاً رفض طلبهم من قبل الملك، وألغى الملك أيضاً تغيير اسم الطبقة، وأمر النواب بالمغادرة، إلا أن نواب الجمعية الوطنية أبوا أن يغادروا المكان، وقال ميرابو "نحن هنا بإرادة الشعب ولن نخرج إلا على رؤوس الحراب"([16]) .
        لاحت بوادر الثورة في الأفق، عندما خرجت تظاهرات كبيرة عمت باريس، وسيطر المتظاهرون على دار بلدية باريس، ثم هاجموا حصن الباستيل الذي كان يعد رمزاً للظلم والاضطهاد في نظر الفرنسيين، وسيطروا عليه في 14 تموز 1789 فكانت الشرارة التي أشعلت الثورة في عموم فرنسا، وبدأت معاقل السلطة تسقط واحدة تلو الأخرى، وأدرك الملك خطورة الوضع، وباتت الملكية مهددة، فعمد إلى تقديم بعض التنازلات منها، أبعاد بعض الوزراء والقبول بعلم الثورة([17]) .
        اجتمعت الجمعية الوطنية في 4 آب لبحث الوسائل الكفيلة لوقف الاضطرابات، واقترح دي نواي وهو من النبلاء الميالين إلى العامة، إلغاء الحقوق الإقطاعية للنبلاء، وكما اتخذت الجمعية في الاجتماع نفسه عدة قرارات، أهمها :
1-   إلغاء جميع الحقوق الإقطاعية والقضائية للنبلاء .
2-   منع السخرة وفرض الضرائب على المطاحن والأفران .
3-   إلغاء الامتيازات الخاصة التي تتمتع بها المقاطعات والأقاليم .
4-   إلغاء الضرائب التي كانت تدفع للكنيسة .
5-   إعلان المساواة التامة بين المواطنين في الحصول على الوظائف العامة .
6-   تحقيق المساواة القضائية بين جميع الناس والمساواة في الحقوق والواجبات([18]) .

الإعلان الفرنسي لحقوق الإنسان
        لقد عول الشعب الفرنسي كثيراً على الثورة التي حملت لواء الحرية والمساواة بين أفراد المجتمع، وجاءت الإجراءات والقرارات التي اتخذتها الجمعية الوطنية ملبية تماماً لأهداف ورغبات الشعب، فقد كان الشعار الذي رفعته الثورة (الحرية،العدالة، الإخاء)، كافي لتحقيق المساواة والرفاهية للشعب، ولم يبق إلا ان تشرع الجمعية الدستور والقوانين التي تحدد حقوق المواطن وتصونها وتحميها من جور السلطة، فكانت ولادة إعلان حقوق الإنسان والمواطن في 26 آب 1789 . والذي جاء فيه :
1-   يولد الناس ويظلون أحراراً ومتساوين في الحقوق، وعليه فالامتيازات المدنية لا يمكن ان تبنى إلا على المنفعة العامة .
2- ان غاية التنظيمات السياسية والحكومات هي المحافظة على حقوق الإنسان الطبيعية، ولا يجوز المساس بها وهي الحرية والملكية والأمن ومقاومة الطغيان، وليس هناك حدود لحقوق الإنسان الطبيعية إلا تلك التي تضمن لإنسان آخر التمتع بنفس الحق، وتقر جميع الحدود وفقاً لقوانين تسن من قبل ممثلي الشعب .         
3- الأمة مصدر السيادة، ولا يجوز لأي كان أفراداً أو مجموعات من مزاولة أية سلطة ما لم تكن نابعة من الأمة أو لم تنل قبولها .
4-   الحرية والمشاركة السياسية متاحة للجميع وهي شرعية ما لم تسبب ضرراً بالآخرين.
5-   لا يجوز للقوانين ان تحرم شيئاً ما لم يكن فيه ضرر للمجتمع .
6- القانون هو التعبير عن إرادة الجماعة، وكل المواطنين لهم حق المشاركة في وضع القانون مباشرة أو عن طريق ممثليهم . وان يكون الجميع متساوين أمام القانون في الحقوق والواجبات، ولا تفضيل لشخص على آخر في تولي المناصب إلا بالكفاءة والموهبة .
7- لا يجوز اتهام احد أو القبض عليه أو اعتقاله، إلا في الأحوال التي يحددها القانون بحسب الطرق التي رسمها القانون([19]) .
مرت فرنسا خلال السنوات 1789-1791 بظروف صعبة بسبب ظهور تيارات مختلفة من حيث الميول والأفكار والأفعال، وغذتها بشكل مباشر الأندية الكثيرة التي ظهرت على الساحة منها الكوردلييه واليعاقبة والجيرونديين يدعو بعضها إلى إقامة نظام جمهوري والآخر يدعو إلى ملكية دستورية، فضلاً عن الدعم الأوربي للتيارات التقليدية المحافظة، وتأزم العلاقات الأوربية الفرنسية بشكل متسارع، ومع ان الفرنسيين استطاعوا عن طريق ممثليهم في الجمعية الوطنية من وضع دستور للبلاد جاءت مواده متطابقة إلى حد بعيد مع ما ورد في العرائض والشكاوي التي قدمها الشعب إلى مجلس الطبقات في سنة 1789، وأصبحت مصدراً للتشريعات القانونية، ولهذا فان الدستور الفرنسي جاء مطابقاً مع أماني وتطلعات الشعب الفرنسي، إذ كان ديمقراطياً ضامناً للحريات العامة، ووزعت السلطات فيه توزيعا عادلاً، وقد تم إقراره في 3 أيلول 1791([20]) .
        وهنا نورد أهم ما جاء من المبادئ التي تتعلق بحقوق الإنسان بشكل مباشر ونلخصها بالنقط التالية :
1-   السيادة مصدرها الأساس الأمة تمارسها بواسطة الهيئات المنتخبة .
2-   السلطة التشريعية يمارسها أعضاء منتخبين من قبل الشعب .
3-   مبدأ الفصل بين السلطات .
4-   تبني الدستور جميع المواد التي جاءت في وثيقة إعلان حقوق الإنسان والمواطن لسنة 1789([21]) .
لم يكن الدستور الفرنسي ليخلو من العيوب، أو على الأقل انه لم يلب أمنيات جميع الفرنسيين، بسبب مشاربهم المختلفة والتيارات المتناقضة، إلا انه استطاع إلى حد بعيد ان يضمن حقوق الإنسان من خلال بنوده، وربما المأخذ الوحيد الذي يمكن ان نجده كان في الجانب السياسي، إذ اقر بان الانتخابات تجرى على درجتين، وان الناخب العادي يجب أن يدفع ضريبة مباشرة للدولة، لذا فانه حرم الفقراء من المشاركة في الانتخابات، لعدم تمكنهم من دفع الضريبة، وبالتالي فقد حرم عدد كبير من فقراء فرنسا من الإدلاء بأصواتهم .


[1])) عبد العزيز سليمان نوار وعبد المجيد نعنعي، التاريخ المعاصر : أوروبا من الثورة الفرنسية إلى الحرب العالمية الثانية، دار النهضة العربية (القاهرة، د.ت )، ص 19 .
[2])) ظاظا، المصدر السابق، ص 58 .
[3])) نوار ونعنعي، المصدر السابق، ص 23-25 .
[4])) لويس معوض، الثورة الفرنسية، الهيئة المصرية العامة للكتاب (مصر، 1992)، ص 30 .
[5])) الادهمي، المصدر السابق، ص 7 .
[6])) عبد العزيز عبد الغني إبراهيم، محاضرات في تاريخ أوربا بين النهضة والثورة الفرنسية، منشورات ELGA (مالطا، 1997)، ص 256 .
[7])) نوار ونعنعي، المصدر السابق، ص 25-28 .
[8])) ول ديورانت، قصة الفلسفة من أفلاطون الى جون ديوي، ترجمة فتح الله محمد المشعشع، منشورات مكتبة المعارف (بيروت، 2004)، ص 189 .
[9])) ظاظا، المصدر السابق، ص 59-60 .
[10])) ظاظا، المصدر السابق، ص 60-61 .
[11])) المصدر نفسه، ص 62-63 .
[12])) نوار ونعني، المصدر السابق ن ص 29 .
[13])) معوض، المصدر السابق، ص 30 .
[14])) معوض، المصدر السابق، ص 100-105 .
[15])) المصدر نفسه، ص 32 .
[16])) المصدر نفسه، ص 37-38 .
[17])) نوار ونعنعي، المصدر السابق، ص 34 .
[18])) المصدر نفسه، ص 35 .
[19])) معوض، المصدر السابق، ص 92-93 .
[20])) نعنعي، المصدر السابق، ص 46 .
[21])) المصدر نفسه، ص 46-48 .
ا