الديمقراطية المباشرة
الديمقراطية المباشرة هي نظام يصوت الشعب فيه على القرارات الحكومة مثل المصادقة على القوانين أو رفضها ، وتسمى بالديمقراطية المباشرة لأن الشعب في ظلها يمارس بشكل مباشر سلطته في صنع القرار دون وسطاء أو نواب ، وتعد الديمقراطية المباشرة الصورة المثالية للديمقراطية الحقيقية ، إذ أن الشعب هو الذي يصادق بنفسه على القوانين والدستور ، وهو الذي يدير مفاصل السلطة . لكنه من الصعب جداً تطبيق هذا النظام على مستوى دول ، وتكمن تلك الصعوبة في العيوب التي تلازمه ، وهي :
1- إن مرافق الدولة ومفاصل السلطة فيها متعددة ومختلفة في اختصاصاتها ، وتتطلب خبرات متخصصة للإدارة واتخاذ القرار .
2- إن النسبة السكانية عادة تكون في الدولة كبيرة ، ومن المستحيل جمع الشعب في مكان واحد لإبداء أرائهم أو التصويت على قرار ما . وبذلك فان الديمقراطية المباشرة لا يمكن تطبيقها على اقل الدول سكاناً في العالم في يومنا هذا .
3- إن اهتمامات الجماهير بالسلطة وصنع القرار نسبية ، فغالباً لا يوجد اندفاع شعبي عام بهذا الجانب ، وبالتالي لا يمكن الاطمئنان إلى القرارات التي يتم التوصل إليها ، في ظل غياب البعض وعزوف البعض الآخر عن المشاركة في السلطة واتخاذ القرار .
4- إن الديمقراطية المباشرة تتطلب العلانية في المناقشات والتصويت على القرارات مهما كانت تلك الأمور حساسة ودقيقة وتتطلب السرية ، مما قد تعرض الدول للمخاطر .
5- الديمقراطية المباشرة قد تؤدي إلى تأثير بعض الشخصيات المتنفذة على عامة الشعب ودفعهم باتجاهات تحقق رغبات شخصية بعيداً عن المصلحة ، ولاسيما أن في المجتمع الواحد ثقافات واديان واتجاهات مختلفة ، فضلاً عن إن درجة الثقافة والوعي تختلف من شخص لآخر .
ومن هذا المنطلق فان الديمقراطية المباشرة لا يمكن تطبيقه إلا في المجتمعات الصغيرة، مثل المجتمع القبلي ، أو القرية ، أو بعض المنظمات والنقابات الفرعية .
وعلى الرغم من إن الديمقراطية المباشرة ، يصعب تطبيقها على مستوى الدول سواء أكانت تلك الدول صغيرة أم كبيرة ، إلا أننا نجد بعض مظاهر الديمقراطية المباشرة في بعض الدول ، إلى جانب الديمقراطية النيابية ، كالاستفتاء الشعبي ، إذ يتم استفتاء الشعب حول بعض المسائل المهمة والجوهرية كالاستفتاء على الدستور ، أو المعاهدات والاتفاقيات مع البلدان الأجنبية التي تمس السيادة الوطنية ، أو بعض القوانين والمسائل المهمة الأخرى ذات اهتمام كبير لدى الجماهير ، وهذا ما نطلق عليها الديمقراطية شبه المباشرة .
مع أن للديمقراطية المباشرة عيوب ، إلا أن لها عدة مزايا في الوقت نفسه ، وهي :
1- إن الديمقراطية المباشرة تجسد السيادة الشعبية المباشرة دون وساطة ممثلين ونواب عن الشعب .
2- رفع شعور الفرد بقيمته ودوره في المجتمع ، مما يولد لديه حافزاً أكبر لبذل ما هو أفضل للمجتمع .
3- الاستفادة القصوى من طاقات أبناء البلاد ومواهبهم ، إذ أن المشاركة المباشرة تبرز العناصر النشطة وأصحاب الإمكانيات والمواهب .
4- القضاء على الدور السلبي للأحزاب المتسلطة سياسياً وتخليص الفرد من الدعايات الحزبية التي لا تلبي رغبات جميع فئات الشعب .
5- الوصول إلى حقيقة واقع المجتمع وحاجاته عن طريق طرح وجهات النظر ونقل الواقع المعاش من قبل المواطن نفسه لا عن طريق ممثله .
ومن الناحية التاريخية ، فن الديمقراطية المباشرة كانت معتمدة في بعض المدن اليونانية القديمة المستقلة (دويلات المدن) ولاسيما في المدن التي كانت تتشكل من مجموعات سكانية صغيرة ، فقد كانت المجالس تقام في وسط المدن أو في الساحات العامة ، ويحضرها عامة الشعب لمناقشة قضاياهم المختلفة وبصورة مباشرة ، وكانت أثينا القديمة في فترة ما تطبق هذا النظام ، إذ كان الناس يعقدون بين الحين والآخر مجلسهم في وسط المدينة ، وبحضور ما بين 5-6 آلاف مواطن لمناقشة المسائل العامة المتعلقة بأحوال السكان والمدينة. وفي التاريخ المعاصر ، لا يمكن تطبيق الديمقراطية المباشرة في أية دولة إلا بصورة جزئية فيما يتعلق بالمسائل الجوهرية ، وحتى في مثل هذه الأمور لا تحقق الديمقراطية المباشرة غايتها الأساسية بشكل كامل ، لان نسبة المشاركة في تلك الممارسات الديمقراطية عادة لا تكون عالية . وهنا لابد لنا أن نذكر أنموذجاً لتلك المحاولات التي لا تتعدى كونها مظهراً صورياً بعيداً عن الواقع والأهداف السامية التي ترمي إليها الديمقراطية المباشرة . مثل الجماهيرية العربية الليبية ، إذ أن النظام فيها يعمد إلى عقد اجتماعات شعبية بوساطة لجان يتم تشكيلها من قبل الحكومة ، ويشترك في تلك الاجتماعات أعداد غفيرة من المواطنين طوعاً أو إرغاماً ، ويتم فيها مناقشة بعض المسائل المعدة سلفاً ، وفي حقيقة الأمر ، أن تلك الاجتماعات ليس لها من الديمقراطية المباشرة سوى المظهر ، وما هي إلا وسيلة للتغطية على النظام الشمولي في تلك البلاد ، الذي تسلم الحكم فيها منذ سنة 1969 وحتى يومنا هذا .ً
إن زيادة الحجم السكاني ، وتوسع المجتمعات بشكل كبير ، وظهور الدول المستقلة ذات خارطة إدارية واسعة ، استوجب اعتماد نوع آخر من الديمقراطية ، بعد استحالة تطبيق الديمقراطية المباشرة وهي الديمقراطية النيابية (التمثيلية) .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق